موسوعة التفسير

سورةُ الطُّورِ
الآيات (37-43)

ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ

غريب الكلمات:

الْمُسَيْطِرُونَ: أي: المُسَلَّطونَ الجبَّارونَ الحَفَظةُ؛ مَأخوذٌ مِن تَسطيرِ الكِتابِ الَّذي يَحفَظُ ما كُتِبَ فيه [338] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/597)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/73)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 373)، ((تفسير القرطبي)) (17/75). .
سُلَّمٌ: أي: دَرَجٌ، والسُّلَّمُ: ما يُتوصَّلُ به إلى الأمكنةِ العاليةِ، فيُرْجَى به السَّلامةُ، ثمَّ جُعِل اسمًا لكلِّ ما يُتوصَّلُ به إلى شَيءٍ رَفيعٍ كالسَّببِ، وأصلُ (سلم): يدُلُّ على الصِّحَّةِ والعافيةِ [339] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 426)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/90)، ((المفردات)) للراغب (ص: 424)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 373). .
بِسُلْطَانٍ: أي: بحُجَّةٍ ظاهِرةٍ، وسُمِّيتِ الحُجَّةُ سُلطانًا؛ لِمَا يَلحَقُ مِن الهُجومِ على القُلوبِ، وأصلُ (سلط): يدُلُّ على القُوَّةِ والقَهرِ [340] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/598)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 420)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 203). .
مَغْرَمٍ: أي: غُرمٍ، وهو: ما يَنوبُ الإنسانَ في مالِه مِن ضَرَرٍ لغَيرِ جِنايةٍ منه أو خيانةٍ، وأصلُ (غرم): يدُلُّ على مُلازَمةٍ [341] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/199)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 417)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/419)، ((المفردات)) للراغب (ص: 606)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 373). .
كَيْدًا: أي: مَكْرًا، والكَيْدُ ضَرْبٌ مِن الاحتيالِ، وقدْ يكونُ مَذمومًا ومَمدوحًا، وإنْ كان يُستعمَلُ في المذمومِ أكثَرَ، وأصلُ (كيد): يدُلُّ على مُعالَجةٍ لشَيءٍ بشِدَّةٍ، وكلُّ شُيءٍ تُعالِجُه فأنتَ تَكيدُه [342] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/149)، ((المفردات)) للراغب (ص: 728)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 750). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: أمْ عندَ أولئك المُشرِكينَ مَفاتيحُ رَحمةِ ربِّك، يا محمَّدُ، أمْ هم المُتسَلِّطونَ بتدبيرِ الأُمورِ؟!
أمْ لهم سُلَّمٌ يَصعَدونَ به إلى السَّماءِ؛ لِيَستَمِعوا فيه إلى الوَحيِ؟! فلْيَأْتِ مَنِ استَمَعَ منهم بحُجَّةٍ ظاهِرةٍ على زَعْمِهم.
أمْ للهِ -سُبحانَه- البَناتُ ولكم البَنونَ؟!
أمْ تَسألُهم -يا محمَّدُ- مالًا على دَعوتِك؛ فهم بسَبَبِ تَكليفِهم الأموالَ لا يَستَجيبونَ لك؟! أم عِندَهم عِلمُ الغَيبِ، فهم يَكتُبونَه؟!
أمْ يُريدُون كَيدًا يُبطِلونَ به الحَقَّ؟! فالَّذين كَفَروا هم الَّذين يُكادُ بهم في الحَقيقةِ.
أمْ لهم إلهٌ آخَرُ غَيرُ اللهِ يَستَحِقُّ العِبادةَ، فهم يَعبُدونَه؟! تنزَّه اللهُ عمَّا يُشرِكونَ!

تفسير الآيات:

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37).
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ.
أي: أم عندَ أولئك المُشرِكينَ خزائنُ الله -يا محمَّدُ- مِن الرَّحمةِ والأرزاقِ وغيرِ ذلك [343] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/597)، ((تفسير ابن عطية)) (5/192)، ((تفسير القرطبي)) (17/74)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 816)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/70، 71). ممَّن اختار أنَّ المرادَ: خَزائِنُ الأرزاقِ: الشوكانيُّ، والقاسمي، وابن عثيمين. وقال السمرقنديُّ (مفاتيح رزقِ ربِّك). يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/121)، ((تفسير القاسمي)) (9/53)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 197)، ((تفسير السمرقندي)) (3/355). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: خزائنُ رحمتِه: العُلَيمي، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير العليمي)) (6/427)، ((تفسير السعدي)) (ص: 816)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/60). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: الخزائنُ مِن النُّبوَّةِ والرِّزقِ وغيرِهما: النَّسَفي، وجلالُ الدِّينِ المحلِّي. يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/387)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 699). وقال الألوسي: (خزائنُ رِزقِه تعالى ورحمتِه حتَّى يَرزُقوا النُّبوَّةَ مَن شاؤوا، ويُمسِكوها عمَّن شاؤوا). ((تفسير الألوسي)) (14/38). قال ابن عطيَّة: (قولُه تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ بمَنزِلةِ قولِه: أم عندَهم الاستِغناءُ عن الله في جميعِ الأمورِ؛ لأنَّ المالَ والصِّحَّةَ والقوَّةَ وغيرَ ذلك مِن الأشياءِ كلُّها مِن خَزائنِ الله). ((تفسير ابن عطية)) (5/192). وقال ابن كثير: (أهم يَتصرَّفون في المُلكِ، وبيَدِهم مَفاتيحُ الخَزائنِ؟). ((تفسير ابن كثير)) (7/437). ويُنظر: ((تفسير الرسعني)) (7/455). وقال الزَّجَّاج: (أي: عندَهم ما في خزائنِ ربِّك مِن العِلمِ؟). ((معاني القرآن وإعرابه)) (5/66). ويُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/301). وقال ابن جُزَي: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ المعنى: أعِندَهم خزائنُ الله بحيث يَستَغنون عن عبادتِه؟ وقيل: أعِندَهم خزائنُ الله بحيث يُعطُون مَن شاؤوا، ويَمنَعون مَن شاؤوا، ويَخُصُّون بالنُّبوَّةِ مَن شاؤوا؟). ((تفسير ابن جزي)) (2/314). ؟!
قال تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: 9] .
أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ.
أي: أم هم المُتسَلِّطونَ في الدُّنيا بتدبيرِ الأُمورِ، وقَهرِ النَّاسِ، والتَّصَرُّفِ في إعطائِهم ومَنْعِهم [344] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/597، 598)، ((تفسير القرطبي)) (17/75)، ((تفسير البيضاوي)) (5/155)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/71). ؟!
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نَفَى أن يكونَ لهم تصَرُّفٌ قَوِيٌّ أو ضعيفٌ في مواهِبِ اللهِ تعالى على عبادِه؛ أعقَبَه بنَفيِ أن يكونَ لهم اطِّلاعٌ على ما قَدَّره اللهُ لعِبادِه اطِّلاعًا يُخَوِّلُهم إنكارَ أن يُرسِلَ اللهُ بَشَرًا أو يُوحِيَ إليه؛ وذلك لإبطالِ قَولِهم: تَقَوَّلَهُ [345] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/72). [الطور: 33].
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ.
أي: أم لهم سُلَّمٌ يَصعَدونَ به إلى السَّماءِ؛ لِيَستَمِعوا فيه إلى الوَحيِ أو الغَيبِ [346] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/598)، ((تفسير الزمخشري)) (4/414)، ((تفسير القرطبي)) (17/75، 76)، ((تفسير ابن جزي)) (2/314)، ((تفسير الشوكاني)) (5/122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/72). ؟!
فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ.
أي: فلْيَأْتِ مَن استَمَعَ منهم إذَنْ بحُجَّةٍ ظاهِرَةٍ تُبَيِّنُ أنَّهم على الحَقِّ فيما يَدَّعُونَ [347] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/598)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/73). .
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا جرَى نَفيُ أن تكونَ لهم مُطالَعةُ الغَيبِ مِن المَلإِ الأعلَى؛ إبطالًا لِمَقالاتِهم في شُؤونِ الرُّبوبيَّةِ- أعقَبَ ذلك بإبطالِ نِسبتِهم للهِ بناتٍ؛ استِقصاءً لإبطالِ أوهامِهم في المُغَيَّباتِ مِن العالَمِ العُلويِّ [348] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/74). .
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39).
أي: أمْ للهِ -سُبحانَه- البَناتُ، كما ادَّعيتُم وزَعمتُم أنَّ الملائِكةَ بَناتُ اللهِ، ولكم البَنونَ الَّذين تُفَضِّلونَهم على البَناتِ، فنَسَبتُم إلى اللهِ تعالى الأنقَصَ لَدَيكم [349] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/599)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/74). ؟!
قال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل: 57] .
وقال الله سُبحانَه وتعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الصافات: 149 - 155] .
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعْدَ أن أبطَلَ وَسائِلَ اكتِسابِ العِلمِ بما زَعَموه؛ عاد إلى إبطالِ الدَّواعي الَّتي تحمِلُهم على الإعراضِ عن دَعوةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [350] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75). .
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40).
أي: أم تَسألُهم -يا محمَّدُ- مالًا مُقابِلَ دَعوتِك لهم إلى الحَقِّ، أو انقيادِهم إليه؛ فهم بسَبَبِ مَشقَّةِ ما كلَّفْتَهم مِن أموالٍ لا يَستَجيبونَ لك [351] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/599)، ((تفسير القشيري)) (3/622)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/75، 76). ؟!
قال تعالى: وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [يوسف: 104] .
وقال سُبحانَه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ص: 86، 87].
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعدَ أنْ رَدَّ عليهم إنكارَهم الإسلامَ بأنَّهم كالَّذين سألَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجرًا على تَبليغِها؛ أعقَبَه برَدٍّ آخَرَ بأنَّهم كالَّذين اطَّلَعوا على أنَّ عندَ اللهِ ما يُخالِفُ ما ادَّعى الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إبلاغَه عن اللهِ، فهم يَكتُبونَ ما اطَّلَعوا عليه، فيَجِدونَه مُخالِفًا لِما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [352] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). !
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41).
أي: أم عِندَ المُشرِكينَ عِلمُ ما غاب عنِ النَّاسِ، فهم يَكتُبونَه [353] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/599)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). قال ابن عطية: (فهم يُبَيِّنونَ ذلك للنَّاسِ سَنَنًا وشَرعًا يَكتُبونَه، وذلك عبادةُ الأوثانِ، وتَسييبُ السَّوائِبِ، وغَيرُ ذلك مِن سِيَرِهم). ((تفسير ابن عطية)) (5/193). وقال القرطبي: (أي: يَكتُبونَ للنَّاسِ ما أرادوه مِن عِلمِ الغُيوبِ. وقيل: أي: أم عِندَهم عِلمُ ما غاب عن النَّاسِ حتَّى عَلِموا أنَّ ما أخبَرَهم به الرَّسولُ مِن أمرِ القيامةِ والجنَّةِ والنَّارِ والبَعثِ باطِلٌ. وقال قتادةُ: لَمَّا قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قال الله تعالى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ حتَّى عَلِموا متى يموتُ محمَّدٌ، أو إلامَ يَؤولُ إليه أمرُه. وقال ابنُ عبَّاسٍ: أم عِندَهم اللَّوحُ المحفوظُ، فهم يَكتُبونَ ما فيه، ويُخبِرونَ النَّاسَ بما فيه). ((تفسير القرطبي)) (17/76). ويُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/181). ممَّن اختار أنَّ المرادَ: أعِنْدَهم اللَّوحُ المحفوظُ: ابنُ جرير، والرَّسْعَنيُّ، وابنُ جُزَي، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/199)، ((تفسير الرسعني)) (7/456)، ((تفسير ابن جزي)) (2/314)، ((تفسير العليمي)) (7/136)، ((تفسير الشوكاني)) (5/122). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: عِلمُ ما غاب عنهم: الثعلبيُّ، والبغوي، والخازن. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/132)، ((تفسير البغوي)) (4/295)، ((تفسير الخازن)) (4/201). وقال ابن أبي زَمَنين: (عِلْم غَيبِ الآخرةِ). ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/302). ؟!
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها انتِقالٌ مِن نقْضِ أقوالِهم وإبطالِ مَزاعِمِهم إلى إبطالِ نيَّاتِهم وعَزائمِهم مِن التَّبييتِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وللمُؤمنينَ، ولدَعوةِ الإسلامِ مِن الإضرارِ والإخفاقِ [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
وأيضًا لَمَّا قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور: 30]، قيل لهم: أتَعلَمونَ الغَيبَ، فتَعلَمونَ أنَّه يَموتُ قَبْلَكم، أم تُريدونَ كَيدًا ومِن ذلك أنَّكم تقولونَ: نَقتُلُه فيَموتُ قَبْلَنا؟ فإنْ كنتُم تَدَّعُونَ الغَيبَ فأنتم كاذِبونَ، وإنْ كنتُم تظُنُّونَ أنَّكم تَقدِرونَ عليه فأنتم غالِطونَ؛ فإنَّ اللهَ يَصونُه عنكم، ويَنصُرُه عليكم [355] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/221). .
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا.
أي: أم يُريدُ أولئك أن يَكيدوا كَيدًا يُبطِلونَ به الحَقَّ [356] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/600)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437، 438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). قال السعدي: (قوله: أَمْ يُرِيدُونَ بقَدْحِهم فيك وفيما جِئتَهم به كَيْدًا يُبطِلون به دينَك، ويُفسِدون به أمْرَك). ((تفسير السعدي)) (ص: 817). وقال ابن جُزَي: (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا إشارةٌ إلى كَيدِهم في دارِ النَّدوةِ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث تشاوَروا في قتلِه أو إخراجِه). ((تفسير ابن جزي)) (2/314). وقال ابن عثيمين: (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا يعني: أيُريدُ هؤلاء أن يَكيدوا لك يا محمَّدُ بإبطالِ دعوتِك، وإهلاكِك وإماتَتِك). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 199). ؟!
فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ.
أي: فالَّذين كَفَروا هم الَّذين يُكادُ بهم في الحَقيقةِ، ووَبالُ كَيدِهم عائِدٌ على أنفُسِهم [357] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/600)، ((تفسير ابن كثير)) (7/438)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف: 182، 183].
وقال سُبحانَه: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15، 16].
أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43).
أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ.
أي: أم لهم مَعبودٌ آخَرُ غَيرُ اللهِ يَستَحِقُّ العِبادةَ، فهم يَعبُدونَه [358] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/600)، ((الهداية)) لمكي (11/7133)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817). ؟!
كما قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [النمل: 61].
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
أي: تنزَّه اللهُ عن أن يكونَ له شَريكٌ في العِبادةِ؛ فهو الواحِدُ الأحَدُ الَّذي لا مِثْلَ له ولا نِدَّ [359] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/600)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((تفسير السعدي)) (ص: 817). .
قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الروم: 40] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال اللهُ تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ ضُرِبَ المَثَلُ بالخَزائِنِ؛ لأنَّ الخِزانةَ بَيتٌ يُهَيَّأُ لجَمعِ أنواعٍ مُختَلِفةٍ مِنَ الذَّخائِرِ، ومَقدوراتُ الرَّبِّ كالخزائِنِ الَّتي فيها مِن كُلِّ الأجناسِ، فلا نهايةَ لها [360] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/74، 75). !
2- ليس في الآيةِ الاستِدلالُ لهذا النَّفْيِ في قولِه: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ؛ لأنَّ وُضوحَه كَنارٍ على عَلَمٍ [361] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/71، 72). .
3- في قَولِه تعالى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ سؤالٌ: أنَّ المقصودَ نَفيُ الصُّعودِ، ولا يَلزَمُ مِن نَفيِ السُّلَّمِ لهم نفيُ الصُّعودِ، فما الجوابُ عنه؟
الجوابُ: أنَّ النَّفيَ أبلَغُ مِن نَفيِ الصُّعودِ، وهو نَفيُ الاستِماعِ، وآخِرُ الآيةِ شامِلٌ للكُلِّ [362] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/218). .
4- في قَولِه تعالى: بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ إشارةٌ إلى لَطيفةٍ: وهي أنَّه لو طُلِبَ منهم ما سَمِعوه، وقيلَ لهم: فلْيَأتِ مُستَمِعُهم بما سَمِعَ، لَكان لواحِدٍ أن يَقولَ: أنا سَمِعتُ كذا وكذا، فيَفتَري كَذِبًا، فقال: لا، بل الواجِبُ أن يأتيَ بدَليلٍ يدُلُّ عليه [363] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/218). .
5- في قَولِه تعالى: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ إشارةٌ إلى نَفيِ الشِّركِ، وفَسادِ ما يقولونَ بطَريقٍ آخَرَ، وهو أنَّ المتصَرِّفَ إنَّما يَحتاجُ إلى الشَّريكِ لِعَجزِه، واللهُ قادِرٌ فلا شريكَ له؛ فإنَّهم قالوا: نحنُ لا نجعَلُ هذه الأصنامَ وغَيرَها شُرَكاءَ، وإنَّما نُعَظِّمُها لأنَّها بناتُ اللهِ! فقال تعالى: كيف تَجعَلونَ لله البَناتِ، وخَلقُ البناتِ والبَنينَ إنَّما كان لجَوازِ الفَناءِ على الشَّخصِ؟! ولهذا لا يكونُ في الجنَّةِ وِلادةٌ؛ لأنَّ الدَّارَ دارُ البَقاءِ، لا مَوتَ فيها للآباءِ حتَّى تُقامَ العِمارةُ بحُدوثِ الأبناءِ، إذا ثَبَت هذا فالولَدُ إنَّما يكونُ في صورةِ إمكانِ فَناءِ الأَبِ؛ ولهذا قال تعالى في أوائِلِ سُورةِ (آلِ عِمرانَ): الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 2] أي: حيٌّ لا يموتُ فيَحتاجَ إلى وَلَدٍ يَرِثُه! وهو قيُّومٌ لا يتغَيَّرُ ولا يَضعُفُ فيَفتَقِرَ إلى ولَدٍ لِيَقومَ مَقامَه [364] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/218). .
6- قال اللهُ تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا هل في خُصوصِ قَولِه تعالى: أَجْرًا فائِدةٌ لا تُوجَدُ في غيرِه، كما لو قال: «أم تسألُهم شيئًا أو مالًا» أو غيرَ ذلك؟
الجوابُ: نعَمْ؛ فكُلُّ لفظٍ في القُرآنِ فيه فائِدةٌ وإنْ كُنَّا لا نَعلَمُها، والَّذي يَظهَرُ هاهنا أنَّ ذلك إشارةٌ إلى أنَّ ما يأتي به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه مَصلحتُهم؛ وذلك لأنَّ الأجرَ لا يُطلَبُ إلَّا عندَ فِعلِ شَيءٍ يُفيدُ المطلوبَ منه الأجرُ، فقال: أنت أتَيْتَهم بما لو طلَبْتَ عليه أجرًا، وعَلِموا كمالَ ما في دعوتِك من المنفَعةِ لهم وبهم؛ لَأتَوك بجَميعِ أموالِهم، ولَفَدوك بأنفُسِهم، ومع هذا لا تَطلُبُ منهم أجرًا، ولو قال: «شيئًا أو مالًا» لَمَا حصَلَت هذه الفائِدةُ. واللهُ أعلَمُ [365] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/220). .
7- الرُّسُلُ عليهم الصَّلواتُ والسَّلامُ لا يأخُذونَ أجرًا على التَّبليغِ، وهناك آياتٌ دالَّةٌ على ذلك، كقَولِه تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا، فما وجهُ الجَمعِ بيْنَ تلك الآياتِ وآيةِ سُورةِ (الشُّورى): قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23] ؟
الجوابُ مِن وُجوهٍ:
الوَجهُ الأوَّلُ: على القَولِ بأنَّ معنى الآيةِ: إلَّا أن تَوَدُّوني في قَرابتي الَّتي بيْني وبيْنَكم، فتَكُفُّوا عنِّي أذاكم، وتمنَعوني مِن أذى النَّاسِ، كما تَمنَعونَ كُلَّ مَن بيْنَكم وبيْنَه مِثلُ قرابتي منكم، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له في كُلِّ بَطنٍ مِن قُرَيشٍ رَحِمٌ؛ فهذا الَّذي سألهم ليس بأجرٍ على التَّبليغِ؛ لأنَّه مَبذولٌ لكُلِّ أحَدٍ؛ لأنَّ كُلَّ أحَدٍ يَوَدُّه أهلُ قَرابتِه، وينتَصِرونَ له مِن أذى النَّاسِ، وقد فَعَل له ذلك أبو طالبٍ، ولم يكُنْ يسألُ أجرًا على التَّبليغِ؛ لأنَّه لم يُؤمِنْ، وإذا كان لا يَسألُ أجرًا إلَّا هذا الَّذي ليس بأجرٍ؛ تحَقَّق أنَّه لا يَسألُ أجرًا.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ معنى الآيةِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، أي: لا تُؤذُوا قرابتي وعِتْرتي، واحفَظوني فيهم، وعليه فلا إشكالَ؛ لأنَّ الموَدَّةَ بين المُسلِمينَ واجِبةٌ فيما بيْنَهم، وأحرى قرابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأحاديثُ في مِثلِ هذا كثيرةٌ جِدًّا، وإذا كان نفْسُ الدِّينِ يُوجِبُ هذا بيْنَ المسلِمينَ؛ تَبيَّن أنَّه غيرُ عِوَضٍ عن التَّبليغِ.
وقيل: الاستِثناءُ مُنقَطِعٌ على كِلا القَولَينِ، وعليه فلا إشكالَ، فمعناه على القَولِ الأوَّلِ: لا أسألُكم عليه أجرًا لكِنْ أُذَكِّرُكم قرابتي فيكم. وعلى الثَّاني: لكِنْ أُذَكِّرُكم اللهَ في قرابتي؛ فاحفَظوني فيهم.
الوَجهُ الثَّالِثُ: أنَّ معنى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى أي: إلَّا أن تتودَّدوا إلى اللهِ، وتتقَرَّبوا إليه بالطَّاعةِ والعَمَلِ الصَّالحِ، وعليه فلا إشكالَ؛ لأنَّ التَّقَرُّبَ إلى اللهِ ليس أجرًا على التَّبليغِ.
الوَجهُ الرَّابعُ: أنَّ معنى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى أي: إلَّا أن تتودَّدوا إلى قراباتِكم، وتَصِلوا أرحامَكم، وعليه أيضًا فلا إشكالَ؛ لأنَّ صِلةَ الإنسانِ رَحِمَه ليست أجرًا على التَّبليغِ [366] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/69-71). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (27/594). .
8- في قَولِه تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا كَشفٌ لسرائِرِ المُشرِكينَ، وتنبيهٌ للمُؤمِنينَ؛ للحَذَرِ مِن كَيدِهم [367] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
9- في قَولِه تعالى: أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ الجَوابُ حَقيقةً: لا، وادِّعاءً: نعَمْ، لهم آلهةٌ غيرُ اللهِ يَعبُدونَها: اللَّاتُ، والعُزَّى، ومَناةُ، وهُبَلُ، وغَيرُها مِن الأصنامِ المعروفةِ عندَ العربِ؛ ولهذا قال تعالى: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، فنَزَّهَ اللهُ سُبحانَه وتعالى نفْسَه عمَّا يُشرِكُ به هؤلاء؛ لِيُبيِّنَ أنَّ هذه الأصنامَ باطِلةٌ، وأنَّ اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عن كلِّ شَريكٍ [368] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات- الحديد)) (ص: 200). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ انتِقالٌ بالعَودِ إلى رَدِّ جُحودِهم رِسالةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ولذلك غُيِّرَ أُسلوبُ الإخبارِ فيه إلى مُخاطَبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمعْنى: إبطالُ أنْ يكونَ لهم تَصرُّفٌ في شُؤونِ الرُّبوبيَّةِ، فيَجعَلوا الأُمورَ على مَشيئتِهم كالمالِكِ في مُلْكِه، والمُدبِّرِ فيما وُكِّلَ عليه [369] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/70). .
- والاستِفهامُ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ إنكاريٌّ، بتَنزيلِهم في إبطالِ النُّبوَّةِ عمَّن لا يَرْضَونَه مَنزِلةَ مَن عِندَهم خَزائنُ اللهِ؛ يَخلَعونَ الخُلَعَ منها على مَن يَشاؤُونَ، ويَمنَعونَ مَن يَشاؤُونَ [370] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/70). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ لم تُذكَرِ الرَّحمةُ هنا؛ لأنَّه لَمَّا كان ذِكرُ الرَّحمةِ لا يَقتضيهِ مَقصودُ السُّورةِ -الَّذي هو العذابُ-؛ لم تُذكَرْ كما في سُورةِ (ص) في قولِه تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: 9] ، وكذا في سُورةِ (الإسراءِ) في قولِه تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ [الإسراء: 100] ؛ فلذلك قِيل هنا: رَبِّكَ [371] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/28). .
- وأيضًا قد سُلِكَ معهم هنا مَسلَكُ الإيجازِ في الاستِدلالِ بإحالَتِهم على مُجمَلٍ أجْمَله قولُه: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ؛ لأنَّ المَقامَ مَقامُ غَضَبٍ عليهم؛ لجُرْأَتِهم على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نفْيِ الرِّسالةِ عنه بوَقاحةٍ مِن قولِهم: كاهنٌ، ومَجنونٌ، وشاعرٌ، بخِلافِ آيةِ (الأنعامِ) في قولِه تعالَى: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50] ؛ فإنَّها ردَّتْ عليهم تَعريضَهم أنفُسَهم لنَوالِ الرِّسالةِ عن اللهِ؛ فقولُه تعالى هنا: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ هو كَقولِه في سُورةِ (ص): أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: 8، 9]، وقولِه في سُورةِ (الزُّخرفِ): أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [372] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/70، 71). [الزخرف: 32].
- قولُه: أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ إنكارٌ لأنْ يكونَ لهم تَصرُّفٌ في عَطاءِ اللهِ تَعالى ولو دونَ تَصرُّفِ المالِكِ، مِثلُ تَصرُّفِ الوكيلِ والخازِنِ، وهو ما عُبِّرَ عنه بـ الْمُسَيْطِرُونَ [373] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/71). .
2- قولُه تعالَى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
- حُذِفَ مَفعولُ يَسْتَمِعُونَ؛ ليَعُمَّ كَلامًا مِن شأْنِه أنْ يُسمَعَ مِن الأخبارِ المُغَيَّبةِ بالمُستقبَلِ وغيرِه، الواقِعِ وغيرِه [374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/72). .
- وسُلِكَ في نفْيِ عِلْمِهم بالغَيبِ طَريقُ التَّهكُّمِ بهم بإنكارِ أنْ يكونَ لهم سُلَّمٌ يَرْتَقون به إلى السَّماءِ ليَسْتمِعوا ما يَجْري في العالَمِ العُلويِّ مِن أمْرٍ تَتلقَّاهُ الملائكةُ، أو أهلُ المَلأِ الأعْلى بعضُهم مع بعضٍ، فيَسْترِقُوا بعضَ العِلمِ ممَّا هو مَحجوبٌ عن النَّاسِ؛ إذ مِن المَعلومِ أنَّه لا سُلَّمَ يصِلُ أهلَ الأرضِ بالسَّماءِ، وهم يَعلَمون ذلك، ويَعلَمُه كلُّ أحدٍ [375] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/72). .
- وعُلِمَ مِنِ اسمِ السُّلَّمِ أنَّه آلةُ الصُّعودِ، وعُلِمَ مِن ذِكْرِ السَّمواتِ في الآيةِ قبْلَها أنَّ المُرادَ سُلَّمٌ يَصعَدونَ به إلى السَّماءِ؛ فلذلك وُصِفَ بـ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، أي: يَرْتَقون به إلى السَّماءِ فيَستمِعون وهمْ فيه -أي: في دَرَجاتِه- الكلامَ الَّذي يَجْري في السَّماءِ [376] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/72). .
- وإسنادُ الاستِماعِ إلى ضَميرِ جَماعَتِهم على اعتبارِ أنَّ المُستمِعَ سَفيرٌ عنهم، على عادةِ استعمالِ الكلامِ العرَبيِّ مِن إسنادِ فِعلِ بَعضِ القَبيلةِ إلى جَميعِها إذا لم تَصُدَّه عن عمَلِه؛ ألَا تَرى أنَّه قال بعْدَ هذا: فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ، أي: مَن استمَعَ منهم لأجْلِهم، أي: أرْسَلوه للسَّمْعِ [377] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/72، 73). .
- والفاءُ في قولِه: فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ لتَفريعِ هذا الأمْرِ التَّعجيزيِّ على النَّفيِ المُستفادِ مِن استِفهامِ الإنكارِ، فالمَعْنى: فما يأْتي مُستمِعٌ منهم بحُجَّةٍ تدُلُّ على صِدْقِ دَعواهم، فلامُ الأمْرِ مُستعمَلٌ في إرادةِ التَّعجيزِ؛ بقَرينةِ انتفاءِ أصْلِ الاستِماعِ بطَريقِ استِفهامِ الإنكارِ [378] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/73). .
- قولُه: فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ هذا تَحدٍّ لهم بكَذِبِهم؛ فلذلك اكْتُفِيَ بأنْ يأتِيَ بعضُهم بحُجَّةٍ دونَ تَكليفِ جَميعِهم بذلك، أي: فلْيأتِ مَن يَتعهَّدُ منهم بالاستِماعِ بحُجَّةٍ، وهذا بمَنزِلةِ التَّذييلِ للكلامِ [379] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/73). .
3- قولُه تعالَى: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ
- الاستِفهامُ إنكارٌ لأنْ يَكونَ للهِ البناتُ، ودليلُ الإنكارِ في نفْسِ الأمْرِ استحالةُ الولَدِ على اللهِ تعالى، ولكنْ لَمَّا كانت عُقولُ أكثَرِ المُخاطَبينَ بهذا الرَّدِّ غيرَ مُستعِدَّةٍ لإدراكِ دَليلِ الاستِحالةِ، وكان اعتقادُهم البناتِ للهِ مُنكَرًا؛ تُصُدِّيَ لدَليلِ الإبطالِ، وسُلِكَ في إبطالِه دَليلٌ إقناعيٌّ يَتفطَّنون به إلى خَطَلِ رأْيِهم، وهو قولُه: وَلَكُمُ الْبَنُونَ؛ فجُملةُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ في مَوضعِ الحالِ مِن ضَميرِ الغائبِ، أي: كيف يكونُ للهِ البناتُ في حالِ أنَّ لكم بَنينَ؟! وهم يَعلَمونَ أنَّ صِنفَ الذُّكورِ أشرَفُ مِن صِنفِ الإناثِ على الجُملةِ، كما أشارَ إليه قولُه تعالَى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم: 21، 22]؛ فهذا مُبالَغةٌ في تَشنيعِ قولِهم، وتَسفيهٌ لهم ولعُقولِهم، فليس المُرادُ أنَّهم لو نَسَبوا للهِ البنينَ لَكان قَولُهم مَقبولًا؛ لأنَّهم لم يَقولوا ذلك، فلا طائلَ تحتَ إبطالِه [380] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/74). . وفيه إشعارٌ بأنَّ مَن هذا رأيُه لا يُعَدُّ مِن العُقلاءِ، فضلًا أنْ يترقَّى برُوحِه إلى عالَمِ الملَكوتِ فيَتطلَّعَ على الغُيوبِ [381] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/155)، ((تفسير أبي السعود)) (8/151). .
- وتَغييرُ أُسلوبِ الغَيبةِ المُتَّبَعِ مِن قولِه: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ [الطور: 30] إلى أُسلوبِ الخِطابِ الْتِفاتٌ؛ مُكافَحةً لهم بالرَّدِّ بجُملةِ الحالِ، ولتَشْديدِ ما في (أَم) المُنقطِعةِ مِن الإنكارِ والتَّوبيخِ [382] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/151)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/74). .
- وتَقديمُ (لَكُمْ) على الْبَنُونَ؛ لإفادةِ الاختِصاصِ، أي: لكمُ البَنونَ دونَه، فهمْ لهم بَنونَ وبناتٌ، وزَعَموا أنَّ اللهَ ليس له إلَّا البناتُ! وأمَّا تَقديمُ المَجرورِ على المُبتدَأِ في قَولِه: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ؛ فللاهتِمامِ باسمِ الجَلالةِ. وقد أُنْهِيَ الكلامُ بالفاصِلةِ؛ لأنَّه غرَضٌ مُستقِلٌّ [383] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/74). .
4- قولُه تعالَى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ مُرتبِطٌ بقولِه: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ [الطور: 33]، وقولِه: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ [الطور: 37]؛ إذ كلُّ ذلك إبطالٌ للأسبابِ الَّتي تَحمِلُهم على زعْمِ انتفاءِ النُّبوَّةِ عن محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والإعراضِ عن دَعوتِه، ومِن أجْلِ ذلك جاء هذا الكلامُ على أُسلوبِ الكلامِ الَّذي اتَّصَلَ هو به، وهو أُسلوبُ خِطابِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال هنا: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا، وقال هنالكَ: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ [384] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75). [الطور: 37].
- والاستِفهامُ المُقدَّرُ بعْدَ (أَمْ) مُستعمَلٌ في التَّهكُّمِ بهم بتَنزيلِهم مَنزِلةَ مَن يَتوجَّسُ خِيفةً مِن أنْ يَسأَلَهم الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْرًا على إرشادِهم، والمَقصودُ: ما في التَّهكُّمِ مِن مَعنى أنَّ ما نشَأَ عنه التَّهكُّمُ أمْرٌ لا يَنْبغي أنْ يَخطُرَ بالبالِ [385] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75). .
- وجِيءَ بالمُضارِعِ تَسْأَلُهُمْ؛ لإفادةِ التَّجدُّدِ، أي: تَسأَلُهم سُؤالًا مُتكرِّرًا؛ لأنَّ الدَّعوةَ مُتكرِّرةٌ، وقدْ شُبِّهَت بسُؤالِ سائلٍ [386] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75). .
- وتَفريعُ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ؛ لِما فيه مِن بَيانِ المُلازَمةِ بيْنَ سُؤالِ الأجْرِ وبيْنَ تَجَهُّمِ مَن يَسأَلُ والتَّحرُّجِ منه، وقد فُرِّعَ قولُه: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ على الفِعلِ المُستفهَمِ عنه لا على الاستِفهامِ، أي: ما سألْتَهم أجْرًا فَيثْقُلَ غُرْمُه عليهم؛ لأنَّ الاستِفهامَ في مَعنى النَّفْيِ، والإثقالُ يَتفرَّعُ على سُؤالِ الأجْرِ المفروضِ؛ لأنَّ مُجرَّدَ السُّؤالِ مُحرِجٌ للمَسؤولِ؛ لأنَّه بيْنَ الإعطاءِ وهو ثَقيلٌ، وبيَّنَ الرَّدِّ وهو صعْبٌ [387] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75). .
- والمُثقَلُ: أصْلُه المُحمَّلُ بِشَيءٍ ثَقيلٍ، وهو هنا مُعبَّرٌ به عمَّن يُطالَبُ بما يَعسُرُ عليه أداؤُه، شُبِّهَ طَلَبُه أداءَ ما يَعسُرُ عليه بحَمْلِ الشَّيءِ الثَّقيلِ على مَن لا يَسهُلُ عليه حَمْلُه [388] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75، 76). .
- و(مِنْ) للتَّعليلِ، أي: مُثقَلونَ مِن أجْلِ مَغْرَمٍ حُمِّلَ عليهم [389] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). .
5- قولُه تعالَى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ هذا نَظيرُ الإضرابِ والاستِفهامِ في قولِه: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ [الطور: 37]، أي: بلْ أعِندَهم الغَيبُ فهمْ يَكتُبون ما يَجِدونه فيه ويَرْوُونه للنَّاسِ؟! أي: ما عِندَهم الغَيبُ حتَّى يَكتُبوه [390] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). .
- وكَلمةُ (عِند) تُؤذِنُ بمَعنى الاختِصاصِ والاستئثارِ، أي: اسْتأْثروا بمَعرفةِ الغَيبِ، فعَلِموا ما لم يَعلَمْه غيرُهم [391] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). .
- والتعَّريفُ في (الغيب) تَعريفُ الجِنسِ [392] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76). .
- والكِتابةُ في قولِه: فَهُمْ يَكْتُبُونَ يَجوزُ أنَّها مُعبَّرٌ بها عن الجزْمِ الَّذي لا يَقبَلُ التَّخلُّفَ؛ لأنَّ شأْنَ الشَّيءِ الَّذي يُرادُ تَحقيقُه والدَّوامُ عليه أنْ يُكتَبَ ويُسجَّلَ؛ فيَكونُ الخبَرُ في قولِه: فَهُمْ يَكْتُبُونَ مُستعمَلًا في مَعناهُ مِن إفادةِ النِّسبةِ الخبَريَّةِ. ويجوزُ أنْ تكونَ الكتابةُ على حَقيقتِها، أي: فهمْ يُسجِّلونَ ما اطَّلَعوا عليه مِن الغَيبِ؛ ليَبْقَى مَعلومًا لِمَن يطَّلِعُ عليه، ويكونَ الخبَرُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مُستعمَلًا في مَعنى الفرْضِ والتَّقديرِ، تَبَعًا لفرْضِ قولِه: عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ، وحاصِلُ المَعنى: أنَّهم لا قِبَلَ لهم بإنكارِ ما جَحَدوه، ولا بإثباتِ ما أثْبَتوه [393] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/76، 77). .
6- قولُه تعالَى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ
- حُذِفَ مُتعلَّقٌ كَيْدًا؛ ليَعُمَّ كلَّ ما يَسْتطيعونَ أنْ يَكِيدوهُ؛ فكانتْ هذه الجُملةُ بمَنزِلةِ التَّتميمِ لنقْضِ غَزْلِهم، والتَّذييلِ بما يَعُمُّ كلَّ عَزْمٍ يَجْري في الأغراضِ الَّتي جَرَت فيها مَقالاتُهم [394] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
- وعُدِلَ عن الإضمارِ إلى الإظهارِ في قولِه: فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ، وكان مُقْتضى الظاهِرِ أنْ يُقالَ: (فهُمُ المَكِيدون)؛ للتَّسجيلِ على كُفْرِهم؛ لِما تُؤذِنُ به الصِّلةُ مِن وَجْهِ حُلولِ الكَيدِ بهم؛ لأنَّهم كَفَروا باللهِ، فاللهُ يُدافِعُ عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعن المؤمنينَ، وعن دِينِه كَيْدَهم، ويُوقِعُهم فيما نَوَوا إيقاعَهم فيه، فالتَّعريفُ في فَالَّذِينَ كَفَرُوا للعهدِ. أو التَّعريفُ للجنسِ، والمرادُ جميعُ الكفرةِ، وكفَّارُ قريشٍ داخِلونَ فيهم دُخولًا أوَّليًّا [395] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/414)، ((تفسير البيضاوي)) (5/155)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/64)، ((تفسير أبي حيان)) (9/576)، ((تفسير أبي السعود)) (8/152)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
- وضَميرُ الفصْلِ (هُم) أفادَ القَصْرَ، أي: الَّذين كَفَروا المَكِيدونَ دونَ مَن أرادوا الكَيدَ به [396] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/77). .
- وتَفريعُ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ؛ لِما فيه مِن بَيانِ المُلازَمةِ بيْنَ كَيدِهم للنَّبيِّ والمؤمنينَ، وبيْنَ كَيدِ اللهِ لهُمْ [397] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/75، 78). .
7- قولُه تعالَى: أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ لَمَّا كان ما نُعِيَ عليهم مِن أوَّلِ السُّورةِ ناقضًا لأقوالِهم ونيَّاتِهم، وكان ما همْ فيه مِن الشِّركِ أعظَمَ؛ لم يُتْرَكْ عَدُّ ذلك عليهمْ مع اشتِهارِه، بعْدَ استيفاءِ الغرَضِ المَسوقِ له الكلامُ بهذه المُناسَبةِ؛ ولذلك كان هذا المُنتقَلُ إليه بمَنزِلةِ التَّذييلِ لِما قبْلَه؛ لأنَّه ارْتِقاءٌ إلى الأهمِّ في نَوعِه، والأهمُّ يُشبِهُ الأعمَّ؛ فكان كالتَّذييلِ [398] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/78). .
- وقدْ وقَعَ قولُه: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ إتمامًا للتَّذييلِ، وتَنهيةً للمَقصودِ مِن فضْحِ حالِهم [399] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/78). .
- والاستِفهامُ المُقدَّرُ بعْدَ (أَم) استِفهامٌ إنكاريٌّ [400] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/78). .
- ومِن قولِه تعالَى: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ [الطور: 30] إلى قولِه: أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ [الطور: 43]، تَدرُّجٌ منه سُبحانه في حِكايةِ ما قالُوه مِن المنكَرِ إلى ما هو أدخَلُ فيه، والكلامُ لتَسليتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّه لا مَحالةَ يَنتقِمُ له منْهم، وأنَّ العذابَ المكذَّبَ به واقِعٌ بهم جَزاءً لتَكذيبِهم بالمُنبِئِ والنَّبأِ والمُنبَّأِ به.
ومِن قولِه تعالَى: فَمَا أَنْتَ [الطور: 29] إلى قولِه سُبحانَه: هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور: 42]، تَفصيلٌ لما أُجْمِل معَ التَّعريضِ بفَسادِ مَقالاتِهم الحَمقاءِ، وأنَّهم بمَرأًى مِن اللهِ تعالَى ومَسمَعٍ؛ فلا مَحالةَ يَنتقِمُ لنَبِيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ منهم، وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن اللهِ تَعالى بمَكانٍ لا يُقادَرُ قدْرُه.
وقولُه سُبحانَه: فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ... [الطور: 29] إلخ، فيه أنَّ مَن أُنعِمَ عليه بالنُّبوَّةِ يَستحيلُ أنْ يكونَ أحَدَ هذَينِ، وبدَأَ بقَولِهم المتناقِضِ؛ ليُنبِّهَ أوَّلًا على فَسادِ آرائِهم، ويَجعَلَه دُستورًا في إعراضِهم عن الحقِّ، وإيثارِ اتِّباعِ أهْوائِهِم، والمعنى: فما أبعَدَ حالَ مَن كان أتقَنَهم رأْيًا، وأرجَحَهم عقْلًا، وأبْيَنَهم آيًا، منذُ تَرَعرَعَ إلى أنْ بلَغَ الأَشُدَّ عن الجُنونِ والكِهانةِ! على أنَّهما مُتناقِضانِ؛ لأنَّ الكُهَّانَ كانوا عِندَهم مِن كامِلِيهم، وكان قولُهم إمامًا مُتَّبَعًا عِندَهم، فأينَ الكِهانةُ مِن الجُنونِ؟!
ثمَّ تَرقَّى مُضرِبًا إلى قَولِهم فيه -وحاشاهُ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّمَ-: إنَّه شاعِرٌ؛ لأنَّه أدْخَلُ في الكذِبِ مِن الكاهِنِ والمجنونِ، وقديمًا قِيل: أحسَنُ الشِّعرِ أكذَبُه؛ ليُبيِّنَ حالَ تَلَجْلُجِهم واضْطِرابِهم.
وقولُه تعالَى: قُلْ تَرَبَّصُوا [الطور: 31] مِن بابِ المُجازاةِ بمِثلِ صَنيعِهم، وفيه تتْميمٌ للوعيدِ؛ فهذا بابٌ مِن إنْكارِهم، هَدَمَه سُبحانه أوَّلًا تَلويحًا بقولِه تعالَى: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ، وثانيًا تَصريحًا بقَولِه جلَّ وعَلا: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ [الطور: 32]، كأنَّه قِيل: دَعْهم وتِلكَ المقالةَ وما فيها مِن الاضطرابِ؛ ففيها عِبرةٌ، ثمَّ قِيل: لا، بلْ ذلك مِن طُغيانِهم؛ لأنَّه أدخَلُ في الذَّمِّ مِن نُقْصانِ العَقْلِ، وأبلَغُ في التَّسليةِ؛ لأنَّ مَن طَغَى على اللهِ عزَّ وجلَّ، فقدْ باءَ بِغَضَبِه.
ثمَّ أخَذَ في بابٍ أدْخَلَ في الإنكارِ، وهو نِسبةُ الافتراءِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وذلك لأنَّ الافتراءَ أبعَدُ شَيءٍ مِن حالِه؛ لاشتِهارِه بالصِّدقِ، على أنَّ كَونَه افتِراءً وعجْزَهم عن الإتيانِ بأقصَرِ سُورةٍ مِن هذا المُفترَى؛ مُتنافيانِ؛ لدَلالتِه على الصِّدقِ، ولأنَّ الشَّاعِرَ لا يَتعمَّدُ الكذِبَ لِذَاتِه، ثمَّ قدْ يكونُ شِعْرُه حِكَمًا ومَواعِظَ.
والتَّدرُّجُ عن الشِّعرِ هاهنا عكْسُ التَّدرُّجِ إليه في (الأنبياءِ) في قولِه سبحانه: بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ [الأنبياء: 5] ؛ لأنَّ بِناءَ الكلامِ هاهنا على التَّدرُّجِ في المناقَضةِ والتَّوغُّلِ في القدْحِ فيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ونفْيِ رِسالتِه، وهنالك عن القدْحِ في بَعضٍ مِن الذِّكْرِ مُتجدِّدِ النُّزولِ، فقِيل: إنَّ افتراءَه لا يَبعُدُ ممَّن هو شاعرٌ ذو افتراءاتٍ كثيرةٍ، وأيْن هذا مِن ذاك؟! وللتَّنبيهِ على التَّوغُّلِ جِيءَ بصَريحِ حرْفِ الإضرابِ في الرَّدِّ، فقِيل: بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ [الطور: 33]، وعُقِّبَ بقولِه تعالى: فَلْيَأْتُوا [الطور: 34]، ثمَّ مَن لا يُؤمِنُ أشدُّ إنكارًا له مِن الطَّاغي، كما أنَّ المفتريَ أدخَلُ في الكذِبِ مِن الشَّاعِرِ.
ثمَّ أخَذَ في أُسلوبٍ أبلَغَ في الرَّدِّ على مَقالاتِهم -الجُنونِ والكِهانةِ-؛ لتَقارُبِهما، ثمَّ الشِّعرِ، ثمَّ الافتراءِ، حيث نزَّل القائلينَ مَنزِلةَ مَن يدَّعي أنَّه خُلِقَ مِن غَيرِ شَيءٍ، أي: مُقدِّرٍ وخالِقٍ، وإلَّا لَأهَمَّهم البحثُ عن صِفاتِه وأفعالِه فلَمْ يُنكِروا منك ما أنْكَروا، ومَن حسِبَ أنَّه مُستغنٍ عن الخالقِ نَسَب رَسولَه إلى الجُنونِ والكِهانةِ، لا، بلْ كمَن يدَّعي أنَّه خالِقُ نفْسِه، فلا خالِقَ له ليَبحَثَ عن صِفاتِه، فهو يَنسُبُه إلى الشِّعرِ؛ إذ لا يُرسَلُ إليه البتَّةَ، والشِّعرُ أدخَلُ في الكذِبِ، لا، بلْ كمَن يدَّعي أنَّه خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ وما بيْنَهما، فهو يَنسُبُه إلى الافتِراءِ حيثُ لم يُرسِلْه!
ثمَّ أضرَبَ عنه صَريحًا بقولِه تعالَى: بَل لَا يُوقِنُونَ [الطور: 36]، ومَن لا إيقانَ له بمِثلِ هذا البَديهيِّ لا يَبعُدُ أنْ يَزُنَّك بما زَنَّ [401] يَزُنَّك: أي: يتَّهِمَك. مِن قولهم: زَنَنْتُه زَنًّا: إذا ظننتَ به واتَّهَمْتَه. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/257). ، فكأنَّه قِيل: مَقالتُهم تلك تُؤدِّي إلى هذه، لا أنَّهم كانوا قائلينَ بها؛ إظهارًا لتَمادِيهم في العِنادِ.
ثمَّ بُولِغَ فيه فجِيءَ في قوله: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ [الطور: 37] بما يدُلُّ على أنَّ الرَّسولَ لا بُدَّ أنْ يكونَ مُفترِيًا، غيرَ صالحٍ للنُّبوَّةِ في زعْمِهم؛ لأنَّه إذا كان عِندَهم جَميعُ خَزائنِ ربِّه وهمْ ما أرسْلُوه، لَزِمَ أنْ يكونَ مُفتريًا البتَّةَ، وأُدمِجَ فيه إنكارُهم للمَعادِ، ونِسبتُهم إيَّاهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك أيضًا خاصَّةً إلى الافتراءِ. ولا يَخْفى ما في قولِه تعالى: أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ [الطور: 37] مِن التَّرقِّي.
ثمَّ لَمَّا فرَغَ مِن ذلك، وبيَّنَ فسادَ ما بَنَوا عليه أمْرَ الإنكارِ بدَليلِ العقْلِ؛ قِيل: لم يَبْقَ إلَّا المُشاهَدةُ والسَّماعُ منه تعالَى، وهو أظهَرُ استِحالةً، فتُهكِّمَ بهمْ، وقِيل: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ [الطور: 38]، وذُيِّلَ بقولِه تعالَى: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ [الطور: 39]؛ إشعارًا بأنَّ مَن جعَلَ خالِقَه أدْوَنَ حالًا منه، لم يُستبعَدْ منه تلك المقالاتُ الخرقاءُ، كأنَّه سُلِّيَ صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسلَّمَ؛ وقيل: ناهِيكَ بتَساوي الطَّعنينِ في البُطلانِ، وبما يَلْقَون مِن سُوءِ مَغبَّتِهما.
ثم قِيل: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا [الطور: 40]، وفيه تَهكُّمٌ بهم، وذمٌّ لهم بالحسَدِ واللُّؤمِ.
ثُمَّ قِيل: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ على معْنى: بلْ أعِندَهم اللَّوحُ -على قولٍ-، فيَعلَمون كُلَّ ما هو كائنٌ، ويَكتبُون فيه تلك المعلوماتِ، وقدْ عَلِموا أنَّ ما تدَّعِيه مِن المَعادِ ليس مِن الكائنِ المكتوبِ؟! والمقصودُ مِن هذا نفْيُ المُنْبَأِ به -أي: البعثِ- على وجْهٍ يَتضمَّنُ دفْعَ النُّبوَّةِ أيضًا إدماجًا [402] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرَضًا في غرَضٍ، أو بديعًا في بديعٍ، بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمَعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضَمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحَمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابقةِ؛ لأنَّ انفرادَه بالحَمدِ في الآخِرةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مُبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمدِ. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 225)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ، عكْسَ الأوَّلِ؛ ولهذا أخَّرَه عن قولِه تعالَى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ؛ فقدْ سلَفَ أنَّ مَصَبَّ الغرَضِ حديثُ المُنبِئِ والنَّبأِ والمنبَّأِ به، فقَضى الوطَرَ مِن الأوَّلَينِ مع الرَّمْزِ إلى الأخيرِ، ثمَّ أخَذَ فيه مع الرَّمْزِ إليهما قَضاءً لحَقِّ الإعجازِ؛ ففي الْغَيْبُ إشارةٌ إلى السَّاعةِ، وفيه ترَقٍّ في دَفْعِ كذبِهم وافتِراءاتِهم مِن وجْهٍ أيضًا؛ لأنَّ العِلمَ أشمَلُ مَورِدًا مِن القُدْرةِ، ولأنَّ الأوَّلَ إنكارٌ مِن حيثُ إنَّهم لم يُرسِلُوه، وهذا مِن تلك الحَيثيَّةِ، ومِن حيثُ إنَّهم ما عَلِموا بإرْسالِ غيرِه إيَّاه أيضًا مع إحاطةِ عِلمِهم، لكنَّه غيرُ مَقصودٍ قصْدًا أوَّليًّا.
ثمَّ ختَمَ الكلامَ بالإضرابِ عن الإنكارِ إلى الإخبارِ عن حالِهم بأنَّهم يُرِيدونَ بكَ كيدًا؛ فهمْ يَنصِبُون لك الحَبائلَ قوْلًا وفِعلًا، لا يَقِفون على هذه المقالةِ وحْدَها، وهم المَكيدونَ لا أنت؛ قولًا وفِعلًا، وحُجَّةً وسَيفًا، وحقَّقَ ما ضمَّنَه مِن الوَعيدِ بقولِه سُبحانَه: أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ، فيُنجِّيهم مِن كَيدِه وعَذابِه؟! لا واللهِ، سُبحانَ اللهِ عن أنْ يكونَ إلهٌ غَيرُه! وما بَعْدَه مِن الآياتِ تأْكيدٌ لأمْرِ طُغيانِهم، ومَزيدُ تَحقيقٍ للوعيدِ، ومُبالَغةٌ في التَّسليةِ [403] نقَل هذه الوجوهَ ولخَّصها الألوسيُّ عن القزويني صاحِب «الكشف على الكشاف»؛ يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (14/41 - 43). .