موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ في فَضلِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، والتَّحذيرِ مِن التَّفريطِ فيهما


الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ هو القُطبُ الأعظَمُ في الدِّينِ، والمُهمُّ الذي ابتَعَثَ اللَّهُ له النَّبيِّينَ أجمَعينَ، ولو طُوِيَ بساطُه وأُهمِل عِلمُه وعَمَلُه لفشَتِ الضَّلالةُ وشاعَتِ الجَهالةُ، وخَرِبَتِ البلادُ وهَلكَ العِبادُ [2078] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 306). .
وقد تَتابعَت النُّصوصُ تَدلُّ على فَضلِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، وتحذِّرُ مِن تركِه والتفريطِ فيه:
أ- مِنَ الكِتابِ:
1- قال رَبُّنا جَلَّ وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] .
2- قال تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] .
قال القُرطُبيُّ: (قَولُه تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَدحٌ لهذه الأُمَّةِ ما أقاموا ذلك واتَّصَفوا به، فإذا تَرَكوا التَّغييرَ وتواطؤوا على المُنكَرِ زال عنهمُ اسمُ المَدحِ ولحِقَهمُ اسمُ الذَّمِّ، وكان ذلك سَبَبًا لهَلاكِهم) [2079] ((الجامع لأحكام القرآن)) (4/ 173). .
وقال ابنُ كَثيرٍ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فمَنِ اتَّصَف مِن هذه الأُمَّةِ بهذه الصِّفاتِ دَخَل مَعَهم في هذا الثَّناءِ عليهم والمَدحِ لهم، ومَن لم يَتَّصِفْ بذلك أشبَهَ أهلَ الكِتابِ الذينَ ذَمَّهمُ اللَّهُ بقَولِه: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 79] ) [2080] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 103). .
3- قال سُبحانَه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71] .
قال القُرطُبيُّ: (جَعَل تعالى الأمرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عنِ المُنكَرِ فرقًا بَينَ المُؤمِنينَ والمُنافِقينَ، فدَلَّ على أنَّ أخَصَّ أوصافِ المُؤمِنِ الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ) [2081] ((الجامع لأحكام القرآن)) (4/ 47). .
4- قال جَلَّ ثَناؤُه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 111-112] .
5- قال تقدَّست أسماؤه: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41] .
6- قال تعالى ذِكرُه: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران: 113 - 115] .
7- قال جَلَّ وعَزَّ لرَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] .
وقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 156-157] .
8- قال جَلَّت عَظَمتُه: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [التوبة: 67-68] .
9- قال عزَّ مِن قائلٍ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 78 - 81] .
وقال جلَّ جلالُه: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 163 - 165] .
10- قال عزَّ وجَلَّ: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة: 62-63] .
قال القُرطُبيُّ: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ لَوْلَا بمَعنى: أفلا. يَنْهَاهُمُ يَزجُرُهم. الرَّبَّانيُّونَ عُلماءُ النَّصارى. وَالْأَحْبَارُ عُلماءُ اليَهودِ. قاله الحَسَنُ. وقيل: الكُلُّ في اليَهودِ؛ لأنَّ هذه الآياتِ فيهم.
ثُمَّ وبَّخَ عُلماءَهم في تَركِهم نَهيَهم، فقال: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعونَ كَما وبَّخَ مَن يُسارِعُ في الإثمِ بقَولِه: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ودَلَّتِ الآيةُ على أنَّ تارِكَ النَّهيِ عنِ المُنكَرِ كمُرتَكِبِ المُنكَرِ؛ فالآيةُ تَوبيخٌ للعُلماءِ في تَركِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ) [2082] ((الجامع لأحكام القرآن)) (6/ 237). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن طارِقِ بنِ شِهابٍ قال: أوَّلُ من بدأ بالخُطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقام إليه رجُلٌ فقال: الصَّلاةُ قبل الخُطبةِ. فقال: قد تُرِك ما هنالِك! فقال أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قضى ما عليه، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((من رأى منكم مُنكَرًا فلْيُغَيِّرْه بيدِه، فإن لم يستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يستطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعفُ الإيمانِ)) [2083] أخرجه مسلم (49). .
2- عن أبي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه، ((أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثورِ [2084] الدُّثورُ: الأموالُ الكَثيرةُ، واحِدُها: دَثْرٌ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 511). بالأُجورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويَصومونَ كما نَصومُ، ويَتَصَدَّقونَ بفُضولِ أموالِهم! قال: أوَليس قد جَعَلَ اللَّهُ لكم ما تَصَّدَّقونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسبيحةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تَكبيرةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تحميدةٍ صَدَقةً، وكُلِّ تهليلةٍ صَدَقةً، وأمرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عن مُنكَرٍ صَدَقةٌ، وفي بُضعِ [2085] قال ابنُ الجَوزيِّ: (قَولُه: «وفي بُضعِ أحَدِكم» البُضعُ: الفَرجُ، فكأنَّه يقولُ: في وَطءِ الرَّجُلِ زَوجتَه صَدَقةٌ؛ وذلك لأنَّه يَعِفُّها ونَفسَه). ((كشف المشكل)) (1/ 368). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (البُضعُ بضَمِّ الباءِ: الجِماعُ، وأصلُه: الفَرجُ...، والمباضَعةُ: المباشَرةُ، والاسمُ: البُضعُ. وفيه دليلٌ على أنَّ النِّيَّاتِ الصَّادِقاتِ تَصرِفُ المباحاتِ إلى الطَّاعاتِ). ((المفهم)) (3/ 52). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (3/ 527)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (2/ 183، 184). أحَدِكم صَدَقةٌ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيَأتي أحَدُنا شَهوَتَه ويَكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: أرَأيتُم لو وضَعَها في حَرامٍ أكانَ عليه فيها وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحَلالِ، كان له أجرٌ)) [2086] أخرجه مسلم (1006). .
3- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((يُصبِحُ على كُلِّ سُلامى [2087] أي: كُلُّ عَظمٍ ومَفصِلٍ يُعتَمَدُ عليه في الحَرَكةِ، ويَقَعُ به القَبضُ والبَسطُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 421)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1392)، ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 278) و (4/ 156). مِن أحَدِكُم صَدَقةٌ؛ فكُلُّ تَسبيحةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تحميدةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تهليلةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تَكبيرةٍ صَدَقةٌ، وأمرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عنِ المُنكَرِ صَدَقةٌ، ويُجزِئُ مِن ذلك رَكعَتانِ يَركَعُهما مِنَ الضُّحى)) [2088] أخرجه مسلم (720). .
4- عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((على كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقةٌ، قيل: أرَأيتَ إن لم يَجِدْ؟ قال: يَعتَمِلُ بيَدَيه فيَنفعُ نَفسَه ويَتَصَدَّقُ، قال قيل: أرَأيتَ إن لم يَستَطِعْ؟ قال: يُعينُ ذا الحاجةِ المَلهوفَ، قال قيل له: أرَأيتَ إن لم يَستَطِعْ؟ قال: يَأمُرُ بالمَعروفِ أوِ الخَيرِ، قال: أرَأيتَ إن لم يَفعَلْ؟ قال: يُمسِكُ عنِ الشَّرِّ؛ فإنَّها صَدَقةٌ)) [2089] أخرجه البخاري (1445)، ومسلم (1008) واللَّفظُ له. .
5- عن حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فِتنةُ [2090] أصلُ الفِتنةِ في كلامِ العَرَبِ: الابتلاءُ والامتحانُ والاختبارُ، ثمَّ صارت في عُرفِ الكلامِ لكُلِّ أمرٍ كَشَفه الاختبارُ عن سوءٍ. وفِتنةُ الرَّجُلِ في أهلِه ومالِه ووَلَدِه ضُروبٌ مِن فَرطِ محبَّتِه لهم وشُحِّه عليهم وشَغلِه بهم عن كثيرٍ مِنَ الخيرِ، كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] ، أو لتفريطِه بما يلزَمُ من القيامِ بحُقوقِهم وتأديبِهم وتعليمِهم؛ فإنَّه راعٍ لهم ومسؤولٌ عن رعيَّتِه، وكذلك فتنةُ الرَّجُلِ في جارِه مِن هذا، فهذه كُلُّها فِتَنٌ تقتضي المحاسَبةَ، ومنها ذُنوبٌ يُرجى تكفيرُها بالحَسَناتِ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (2/ 170، 171). الرَّجُلِ في أهلِه ومالِه ووَلَدِه وجارِه تُكَفِّرُها الصَّلاةُ والصَّدَقةُ، والأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ)) [2091] أخرجه البخاري (7096) واللَّفظُ له، ومسلم (144). .
6- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكم والجُلوسَ بالطُّرُقاتِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما لنا بُدٌّ من مجالِسِنا نتحَدَّثُ فيها، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإذا أبيتُم إلَّا المجلِسَ فأعطوا الطَّريقَ حَقَّه، قالوا: وما حَقُّه؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المُنكَرِ)) [2092] أخرجه البخاري (6229)، ومسلم (2121) واللَّفظُ له. .
7- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((الإسلامُ أن تَعبُدَ اللَّهَ لا تُشرِكُ به شَيئًا، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، وتَصومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيتَ، والأمرُ بالمَعروفِ، والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ، وتَسليمُك على أهلِك، فمَنِ انتَقَصَ شَيئًا مِنهنَّ فهو سَهمٌ مِنَ الإسلامِ يَدَعُه، ومِن تَرَكَهنَّ كُلَّهنَّ فقد ولَّى الإسلامَ ظَهرَه)) [2093] أخرجه الحاكم (53) واللَّفظُ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8458). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2324). .
8- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِن نَبيٍّ بَعَثَه اللهُ في أُمَّةٍ قَبلي إلَّا كان له مِن أُمَّتِه حَواريُّونَ وأصحابٌ يَأخُذونَ بسُنَّتِه ويَقتَدونَ بأمرِه، ثُمَّ إنَّها تخلُفُ مِن بَعدِهم خُلوفٌ يَقولونَ ما لا يَفعَلونَ، ويَفعَلونَ ما لا يُؤمَرونَ، فمَن جاهَدَهم بيَدِه فهو مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدَهم بلِسانِه فهو مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدَهم بقَلبِه فهو مُؤمِنٌ، وليسَ وراءَ ذلك مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَردَلٍ)) [2094] أخرجه مسلم (50). .
9- عن قَيسِ بنِ أبي حازِمٍ، قال: قامَ أبو بَكرٍ فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّكُم تقرؤون هذه الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105] ، وإنَّا سَمِعنا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ النَّاسَ إذا رَأوُا المُنكَرَ لا يُغَيِّرونَه أوشَكَ أن يَعُمَّهمُ اللهُ بعِقابِه)) [2095] أخرجه ابن ماجه (4005) واللَّفظُ له، وأحمد (1). صحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (305)، وابنُ بازٍ في ((مجموع الفتاوى)) (2/353)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4005). .
10- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِي اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَثلُ القائِمِ على حُدودِ اللهِ والواقِعِ فيها [2096] القائِمُ في حُدودِ اللهِ مَعناه: المُنكِرُ لها، القائِمُ في دَفعِها وإزالتِها. والواقِعُ: أي: الفاعِلُ للشَّرِّ. والمُرادُ بالحُدودِ: ما نَهى اللهُ عنه. يُنظر: ((رياض الصالحين)) للنووي (ص: 94)، ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 261). كمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا [2097] الاستِهامُ: طَلَبُ السَّهمِ والنَّصيبِ، والمُرادُ به: الاقتِراعُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (3/ 597). على سفينةٍ، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوا مِن الماءِ مرُّوا على مَن فَوقَهم، فقالوا: لو أنَّا خرَقْنا في نَصيبِنا خَرقًا ولم نُؤذِ مَن فَوقَنا، فإن يترُكوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخَذوا على أيديهم [2098] يُقالُ: أخَذتُ على يَدِ فُلانٍ: إذا مَنَعتَه عَمَّا يُريدُ أن يَفعَلَه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (3/ 597). قال ابنُ الجَوزيِّ: (المُرادُ مِنَ الحَديثِ: أنَّه إذا سَكَتَ الإنسانُ عنِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ عوقِبَ مَعَ مَن عَصى؛ لأنَّ سُكوتَه مَعَ القُدرةِ على الإنكارِ عِصيانٌ، وإن أخَذ على يَدِ العاصي بالزَّجرِ سَلِما جَميعًا). ((كشف المشكل)) (2/ 214). ويُنظر: ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين)) لابن النحاس (ص: 88، 89)، ((السمو الروحي الأعظم)) للرافعي (ص: 22-27). نَجَوا، ونَجَوا جَميعًا)) [2099] أخرجه البخاري (2493). .
وفيما يلي نذكرُ أهمَّ آدابِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ:

انظر أيضا: