موسوعة الآداب الشرعية

سادسَ عشرَ: الصَّبرُ على أذى المَدعوِّينَ والعَفوُ والصَّفحُ عنهم


يَنبَغي للدَّاعي أن يَصبِرَ على أذى مَن يَدعوه، ويَعفوَ ويَغفِرَ ويَصفحَ، ويَدفعَ السَّيِّئةَ بالحَسَنةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 125 - 128] .
2- قال تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف: 35] ، وقال له: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم: 60] ، وقال له: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام: 33-34] .
3- قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 43] .
4- قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24] .
5- قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22] .
6- قال تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14] .
7- قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ * إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص: 52 - 56] .
8- قال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 19 – 24].
9- قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 33 - 36].
10- قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كأَنِّي أنظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَحكي نَبيًّا مِنَ الأنبياءِ ضَرَبَه قَومُه فأدمَوه [2296] أدْمَوه، أي: جَرَحوه بحيثُ جرى عليه الدَّمُ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (24/ 84). ، وهو يَمسَحُ الدَّمَ عن وَجهِه ويَقولُ: اللهُمَّ اغفِرْ لقَومي؛ فإنَّهم لا يَعلَمونَ)) [2297] أخرجه البخاري (3477) واللفظ له، ومسلم (1792). .
2- عن عائشة رضي الله عنها، ((أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل أتى عليك يومٌ كان أشَدَّ مِن يومِ أحُدٍ؟ قال: لقد لَقِيتُ مِن قومِك ما لقيتُ، وكان أشَدُّ ما لقيتُ منهم يومَ العَقَبةِ؛ إذ عرضْتُ نَفسي على ابنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عَبدِ كُلالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أردْتُ، فانطلقْتُ وأنا مهمومٌ على وَجهي، فلم أستفِقْ إلَّا وأنا بقَرنِ الثَّعالِبِ [2298] قرنُ الثَّعالبِ: موضعٌ بقربِ مكَّةَ، قيل: هو ميقاتُ أهلِ نَجْدٍ، ويُقالُ له: قَرْنُ المنازلِ، وقيل: ليس مِن المواقيتِ، وأصلُ القَرْنِ كلُّ جبلٍ صغيرٍ منقطعٍ مِن جبلٍ كبيرٍ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (6/ 169)، ((عمدة القاري)) للعيني (9/140) (15/ 142). ، فرفعْتُ رأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرْتُ فإذا فيها جِبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ قد سمِع قولَ قومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعَث اللهُ إليك ملَكَ الجِبالِ لتأمُرَه بما شئْتَ فيهم، فناداني ملَكُ الجِبالِ، فسلَّم عليَّ، ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، فقال: ذلك فيما شئْتَ، إن شئْتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ [2299] الأخشَبُ: الجَبَلُ، وأصلُه الغَليظُ. فأمَّا تَثنيةُ الأخشَبِ فلأَنَّ مَكَّةَ بَينَ جَبَلَينِ. ومَعنى أُطبِقُ: جَمَعتُ بَينَ أعالي الجَبَلَينِ حتَّى يَكونَ ذلك لامًّا بَينَهما عليهم. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 283). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابِهم مَن يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [2300] أخرجه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). .
3- عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي الزِّنادِ، عن أبيه، قال: أخبَرَني رَجُلٌ يُقالُ له رَبيعةُ بنُ عَبَّادٍ مِن بَني الدِّيلِ، وكان جاهليًّا، قال: ((رَأَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجاهليَّةِ في سوقِ ذي المَجازِ، وهو يَقولُ: يا أيُّها النَّاسُ قولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، تُفلِحوا. والنَّاسُ مُجتَمِعونَ عليه، ووراءَه رَجُلٌ وَضيءُ الوَجهِ، أحوَلُ ذو غَديرَتَينِ [2301] الغَديرةُ: هي الضَّفيرةُ والذُّؤابةُ. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 48). ، يَقولُ: إنَّه صابِئٌ كاذِبٌ، يَتبَعُه حَيثُ ذَهَبَ، فسَأَلتُ عنه، فذَكَروا لي نَسَبَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقالوا لي: هذا عَمُّه أبو لَهَبٍ)) [2302] أخرجه أحمد (19004) واللفظ له، والطبراني (5/61) (4582)، والحاكم (39). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (19004). .
4- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّه غَزا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأدرَكَتهمُ القائِلةُ [2303] القائِلةُ، أي: وَسَطُ النَّهارِ وشِدَّةُ الحَرِّ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 427). في وادٍ كَثيرِ العِضاهِ [2304] العِضاهُ: كُلُّ شَجَرةٍ ذاتِ شَوكٍ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (15/ 44). ، فتَفرَّقَ النَّاسُ في العِضاهِ يَستَظِلُّونَ بالشَّجَرِ، فنَزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَحتَ شَجَرةٍ، فعَلَّقَ بها سَيفَه ثُمَّ نامَ، فاستَيقَظَ وعِندَه رَجُلٌ وهو لا يَشعُرُ به، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ هذا اختَرَطَ سَيفي [2305] اختَرَط السَّيفَ: سلَّه مِن غِمدِه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 23). ، فقال: مَن يَمنَعُك؟ قُلتُ: اللهُ، فشام السَّيفَ [2306] فشامَه: أي: رَدَّه في الغِمدِ. يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (21/ 269). ، فها هو ذا جالِسٌ، ثُمَّ لم يُعاقِبْه)) [2307] أخرجه البخاري (2913) واللفظ له، ومسلم (843). .
 قال ابنُ المُلَقِّنِ: (وإنَّما لم يُواجِهْه؛ لأنَّه كان يَستَميلُهم بذلك ليُرَغِّبَهم في الدُّخولِ في الإسلامِ) [2308] ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (21/ 269). .
5- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((بعَث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فجاءت برجُلٍ مِن بَني حَنيفةَ، يُقالُ له: ثُمامةُ بنُ أُثالٍ، سيِّدُ أهلِ اليَمامةِ، فربَطوه بساريةٍ مِن سَواري المسجدِ، فخرَج إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ماذا عندَك يا ثُمامةُ؟ قال: عِندي يا محمَّدُ خَيرٌ؛ إن تقتُلْ تقتُلْ ذا دَمٍ [2309] إن تَقتُلْ تَقتُلْ ذا دَمٍ: اختَلَفوا في معناه؛ فقيل: معناه: إن تقتُلْ تَقتُلْ صاحِبَ دمٍ، لدَمِه موقِعٌ يَشتفي بقَتلِه قاتِلُه ويُدرِكُ قاتِلُه به ثأرَه، أي: لرياستِه وفضيلتِه، وحُذِف هذا؛ لأنَّهم يفهمونَه في عُرفِهم، وقال آخرون: معناه: تَقتُل مَن عليه دمٌ ومطلوبٌ به، وهو مُستحَقٌّ عليه، فلا عَتبَ عليك في قَتلِه. ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 98)، ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 258، 272)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 136)، ((شرح مسلم)) للنووي (12/ 87، 88). ، وإن تُنعِمْ تُنعِمْ على شاكِرٍ، وإن كنْتَ تُريدُ المالَ فسَلْ تُعطَ منه ما شِئْتَ، فترَكه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى إذا كان الغدُ، ثُمَّ قال له: ما عِندك يا ثُمامةُ؟ فأعاد مِثلَ هذا الكلامِ، فترَكه حتَّى كان بَعدَ الغدِ فذكَر مِثلَ هذا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أطلِقوا ثُمامةَ، فانطلَق إلى نَخلٍ قريبٍ مِن المسجدِ، فاغتسَل فيه، ثُمَّ دخل المسجدَ، فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورسولُه، يا محمَّدُ، واللهِ ما كان على الأرضِ وَجهٌ أبغَضَ إليَّ من وَجهِك، فقد أصبح وجهُك أحبَّ الوُجوهِ إليَّ، واللهِ ما كان من دينٍ أبغَضَ إليَّ من دينِك، فأصبح دينُك أحَبَّ الدِّينِ إليَّ، واللهِ ما كان من بَلَدٍ أبغَضَ إليَّ من بلَدِك، فأصبح بلَدُك أحبَّ البلادِ إليَّ، وإنَّ خيلَك أخذَتْني وأنا أريدُ العُمرةَ، فماذا ترى؟ فبَشَّرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَرَه أن يعتَمِرَ، فلمَّا قَدِم مكَّةَ قال له قائِلٌ: صَبَوتَ [2310] صبا يصبو: إذا مال، يعني: قال له كافِرٌ من كُفَّارِ مكَّةَ: مِلتَ عن دينِ الحَقِّ إلى دينِ الباطِلِ؟ يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (4/ 414). ؟! قال: لا، ولكِنْ أسلَمْتُ مع محمَّدٍ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا واللهِ لا يأتيكم من اليمامةِ حَبَّةُ حِنطةٍ حتى يأذَنَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [2311] أخرجه البخاري (4372)، ومسلم (1764) واللفظ له. .
6- عن عطاءِ بنِ يَسارٍ قال: ((لَقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قُلتُ: أخبِرْني عن صفةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التَّوراةِ؟ قال: أجَلْ، واللهِ إنَّه لموصوفٌ في التَّوراةِ ببعضِ صِفتِه في القُرآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45] ، وحِرزًا للأُمِّيين [2312] حِرزًا للأُمِّيِّينَ: أي: حافِظًا لدينِهم تحوطُهم، والحِرزُ في الأصلِ: الموضِعُ الحَصينُ، فاستُعير لغيرِه. والمرادُ بالأُمِّيِّينَ: العَرَبُ، وسُمُّوا بالأُمِّيِّين؛ لأنَّ الكتابةَ كانت فيهم قليلةً، وكُلُّ من لا يكتُبُ ولا يقرأُ أُمِّيٌّ، نُسِب بذلك إلى أمِّه. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 119)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 104)، ((عمدة القاري)) للعيني (11/ 243). ، أنت عبدي ورسولي، سمَّيتُك المتوكِّلَ، ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ، ولا سَخَّابٍ [2313] السَّخبُ: بالسِّينِ والصَّادِ: الصِّياحُ والجَلَبةُ، أي: ليس ممَّن ينافِسُ في الدُّنيا وجمعِها فيَحضُرَ الأسواقَ لذلك، ويَسخَبَ معهم في ذلك. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 262). في الأسواقِ، ولا يَدفعُ بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ، ولَكِن يَعفو ويَغفِرُ، ولَن يَقبِضَه اللهُ حتَّى يُقيمَ به المِلَّةَ العَوجاءَ، بأن يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويَفتَحُ بها أعيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقُلوبًا غُلفًا)) [2314] أخرجه البخاري (2125). .

انظر أيضا: