ثلاثٌ وعشرونَ: تَعظيمُ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم واتِّباعُه
مِنَ الأدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: تَعظيمُ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم واتِّباعُه.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 156 - 158] .
2- قال تعالى:
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح: 8-9] .
أي: أرسَلنا مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شاهدًا ومُبَشِّرًا ونَذيرًا؛ لتُؤمِنوا -أنتُم أيُّها النَّاسُ- باللهِ ورَسولِه، وتَقوموا بما يَستَلزِمُ ذلك مِن طاعَتِهما في جَميعِ الأُمورِ،
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ أي: ولتُؤَيِّدوه وتَنصُروه، وتُعَظِّموه وتُجِلُّوه
[305] قال ابنُ عَطيَّةَ: (قال بَعضُ المُتَأوِّلينَ: الضَّمائِرُ في قَولِه: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ هيَ كُلُّها للهِ تعالى. وقال الجُمهورُ: تُعَزِّروه وتُوَقِّروه هما للنَّبيِّ عليه السَّلامُ، وتُسَبِّحوه هيَ للَّهِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/ 129). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّعزيرُ: اسمٌ جامِعٌ لنَصرِه وتَأييدِه، ومَنعِه مِن كُلِّ ما يُؤذيه. والتَّوقيرُ: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما فيه سَكينةٌ وطُمَأنينةٌ مِنَ الإجلالِ والإكرامِ، وأن يُعامَلَ مِنَ التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بما يَصونُه عن كُلِّ ما يُخرِجُه عن حَدِّ الوَقارِ). ((الصارم المسلول)) (ص: 422). ،
وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي: ولتُنَزِّهوا اللَّهَ عن كُلِّ عَيبٍ ونَقصٍ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه
[306] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (34/ 54 - 56). ، فأوجَبَ تعالى تَعزيرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَوقيرَه، وألزَمَ إكرامَه وتَعظيمَه
[307] ((الشفا)) لعياض (2/ 35). .
3- قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] .
4- قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 20 - 25] .
5- قال تعالى:
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 51 - 54] .
6- قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] .
7- قال تعالى:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 31-32] .
8- قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 64-65] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((دَعُوني ما تَرَكتُكُم؛ إنَّما هَلَكَ مَن كان قَبلَكُم بسُؤالِهم واختِلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نَهَيتُكُم عن شَيءٍ فاجتَنِبوه، وإذا أمَرتُكُم بأمرٍ فأْتوا مِنه ما استَطَعتُم)) [308] أخرجه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((مَن أطاعني فقد أطاعَ اللَّهَ، ومَن يَعصِني فقد عَصى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأميرَ فقد أطاعني، ومَن يَعصِ الأميرَ فقد عَصاني)) [309] أخرجه البخاري (2957)، ومسلم (1835) واللفظ له. .
3- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((جاءت ملائكةٌ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو نائِمٌ، فقال بعضُهم: إنَّه نائِمٌ. وقال بعضُهم: إنَّ العينَ نائِمةٌ والقَلبَ يَقظانُ. فقالوا: إنَّ لصاحِبِكم هذا مَثَلًا فاضربوا له مَثَلًا. فقال بَعضُهم: إنَّه نائِمٌ. وقال بعضُهم: إنَّ العينَ نائِمةٌ والقَلبَ يَقظانُ. فقالوا: مَثَلُه كمَثَلِ رَجُلٍ بنى دارًا، وجعل فيها مأدُبةً [310] مَأدُبةٌ: طَعامٌ عامٌّ يُدعى النَّاسُ إليه كالوليمةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/ 255)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (1/ 226). وبعث داعِيًا، فمن أجاب الدَّاعِيَ دَخَل الدَّارَ وأكل مِنَ المأدُبةِ، ومن لم يُجِبِ الدَّاعِيَ لم يدخُلِ الدَّارَ ولم يأكُلْ مِنَ المأدُبةِ. فقالوا: أوِّلوها له يَفْقَهْها. فقال بَعضُهم: إنَّه نائِمٌ. وقال بعضُهم: إنَّ العينَ نائِمةٌ والقَلبَ يَقظانُ. فقالوا: فالدَّارُ الجَنَّةُ، والدَّاعي مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمن أطاع مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقد أطاع اللهَ، ومن عصى مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقد عصى اللهَ، ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرْقٌ [311] فَرقٌ: أي: فارِقٌ بَينَ المُؤمِنِ والكافِرِ والصَّالحِ والفاسِقِ بتَصديقِه وتَكذيبِه، فمَن آمَنَ به فهو مُؤمِنٌ، ومَن كَفَر به فهو كافِرٌ. ويُروى: ((فَرَّقَ بَينَ النَّاسِ)) بتَشديدِ الرَّاءِ فِعلًا ماضيًا، أي: مَيَّزَ بَينَهم، فتَبَيَّنَ به المُطيعُ عنِ العاصي، والعاصي عنِ المُطيعِ، وفصَل بَينَهم بإعزازِ المُطيعينَ وإذلالِ العاصينَ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 56)، ((الميسر)) للتوربشتي (1/ 77)، ((فتح الباري)) لابن حجر (13/ 256)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (1/ 226)، ((شرح الشفا)) للقاري (2/ 16). بين النَّاسِ)) [312] أخرجه البخاري (7281). .
4- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((إنَّما مَثَلي ومَثَلُ ما بَعَثَني اللهُ به كَمَثَلِ رَجُلٍ أتى قَومًا فقال: يا قَومِ، إنِّي رَأيتُ الجَيشَ بعَينيَّ، وإنِّي أنا النَّذيرُ العُريانُ [313] العُريانُ: مِنَ العُرْيِ، وذلك أنَّ الرَّبيئةَ للقَومِ -وهو طليعتُهم ورقيبُهم- إذا كان على مَكانٍ عالٍ، فبَصُر بالعَدوِّ، نَزَع ثَوبَه فألاحَ به يُنذِرُ، فيَبقى عُريانًا. وقال بَعضُ أهلِ اللُّغةِ: عُريُ النَّذيرِ أبلغُ في الإنذارِ؛ لأنَّ الجيشَ إذا رَأوه عُريانًا عَلِموا أنَّ الأمرَ عَظيمٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 408، 409). ، فالنَّجاءَ [314] أي: انجُوا النَّجاءَ، أوِ اطلُبوا النَّجاءَ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (15/ 48). ! فأطاعَه طائِفةٌ مِن قَومِه فأدلَجوا [315] فأدلَجوا: أي: ساروا مِن أوَّلِ اللَّيلِ. يُنظر: ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/ 214). ، فانطَلَقوا على مَهلِهم فنَجَوا، وكَذَّبَت طائِفةٌ مِنهم، فأصبَحوا مَكانَهم، فصَبَّحَهمُ الجَيشُ [316] صَبَّحَهمُ الجَيشُ: أي: أتاهمُ الجَيشُ في وقتِ الصُّبحِ؛ لأنَّ عادةَ الجَيشِ أن يُغِيروا في وقتِ الصُّبحِ. هذا أصلُه ثُمَّ كَثُرَ استِعمالُه حتَّى استُعمِل فيمَن طَرَقَ بَغتةً في أيِّ وقتٍ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (1/ 249)، ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 317). فأهلَكَهم واجتاحَهم [317] اجتاحَهم: استَأصَلَهم، ومِنه الجائِحةُ التي تُفسِدُ الثِّمارَ وتُهلِكُها. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) للخطابي (3/ 2251). ، فذلك مَثَلُ مَن أطاعني فاتَّبَعَ ما جِئتُ به، ومَثَلُ مَن عَصاني وكَذَّبَ بما جِئتُ به مِنَ الحَقِّ)) [318] أخرجه البخاري (7283) واللفظ له، ومسلم (2283). .
ج- مِنَ الآثارِ1- وعن ابنِ شماسةَ المهريِّ، قال: حَضَرنا عَمرَو بنَ العاصِ وهو في سِياقَةِ المَوتِ، يَبَكِي طَوِيلًا، وحَوَّلَ وجهَهُ إلى الجِدارِ، فَجَعَلَ ابنُه يقولُ: يا أبَتاهُ، أما بَشَّرَكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَذا؟ أما بَشَّرَكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَذا؟ قال: فأقبَلَ بوَجهِهِ، فقالَ: إنَّ أفضَلَ ما نُعِدُّ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، إنِّي قد كُنتُ علَى أطباقٍ ثَلاثٍ؛ لقَد رَأَيتُنِي وما أحَدٌ أشَدَّ بُغضًا لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنِّي، ولا أحَبَّ إلَيَّ أن أكُونَ قَدِ استَمكَنتُ منه فَقَتَلتُه، فلو مُتُّ على تِلكَ الحالِ لكُنتُ من أهلِ النَّارِ، فلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإسلامَ في قَلبِي أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقُلتُ: ابسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبايِعك، فَبَسَطَ يَمِينَه، قالَ: فَقَبَضتُ يَدِي، قال: ما لكَ يا عَمرُو؟! قال: قُلتُ: أرَدتُ أن أشتَرِطَ، قال: تَشتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أن يُغفَرَ لِي، قال: أما عَلِمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كانَ قَبلَه؟ وأنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ ما كانَ قَبلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قَبلَه؟ وما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أجَلَّ في عَينِي منه، وما كُنتُ أُطِيقُ أن أملأَ عَينَيَّ منه إجلالًا له، ولو سُئِلتُ أن أصِفَهُ ما أطَقتُ؛ لأنِّي لَم أكُن أملأُ عَينَيَّ منه...)
[319] أخرجه مسلم (121). .
2- في حَديثِ صُلحِ الحُدَيبيَةِ: (...ثمَّ إنَّ عُروةَ جَعَل يرمُقُ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعينَيه، قال: فواللَّهِ ما تنَخَّم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نُخامةً إلَّا وقَعَت في كَفِّ رَجُلٍ منهم، فدَلَك بها وَجْهَه وجِلْدَه! وإذا أمَرَهم ابتَدَروا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتَتِلون على وَضوئِه
[320] الوَضوءُ، بفتحِ الواوِ: فَضلةُ الماءِ الذي تَوضَّأ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو ما يَجتَمِعُ مِنَ القَطَراتِ وما يَسيلُ مِنَ الماءِ الذي باشَرَ أعضاءَه الشَّريفةَ عِندَ الوُضوءِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/ 447). ، وإذا تكَلَّم خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له، فرَجَع عُروةُ إلى أصحابِه، فقال: أيْ قَومِ، واللَّهِ لقد وفَدتُ على الملوكِ، ووفَدتُ على قَيصَرَ وكِسرى والنَّجاشيِّ، واللَّهِ إنْ رأيتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُه أصحابُه ما يُعَظِّمُ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم محمَّدًا، واللَّهِ إنْ تنخَّمَ نُخامةً إلَّا وقَعَت في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدَلَك بها وَجْهَه وجِلدَه، وإذا أمَرهم ابتدَروا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتَتِلون على وَضوئِه، وإذا تكَلَّم خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له)
[321] أخرجه البخاري (2731، 2732) من حديثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمةَ، ومَروانَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
وفيه أيضًا قَولُ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه لعُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه: (أيُّها الرَّجُلُ، إنَّه لرَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَيسَ يَعصي رَبَّه، وهو ناصِرُه، فاستَمسِكْ بغَرزِه؛ فواللهِ إنَّه على الحَقِّ)
[322] أخرجه البخاري (2731، 2732) من حديثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمةَ، ومَروانَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
3- قال أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (واللَّهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فَرَّق بَينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللَّهِ لَو مَنَعوني عِقالًا
[323] لو مَنَعوني عِقالًا: يَعني: في الصَّدَقةِ، والعِقالُ: قيل: هو الحَبلُ الذي يُشَدُّ به البَعيرُ ويُعقَلُ، وقيل: المُرادُ زَكاةُ عامٍ، يُقالُ: أخَذَ مِنَّا عِقالَ هذا العامِ، أي: أخذَ مِنَّا صَدَقةَ عامِنا على مَواشينا، وقيل غَيرُ ذلك. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (4/ 104)، ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 193)، ((غريب الحديث)) للخطابي (2/ 46)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 36)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 27)، ((شرح مسلم)) للنووي (1/ 207-209)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 278). ووقَعَ في بَعضِ الرِّواياتِ: (لو مَنَعوني عَناقًا). [أخرجه البخاري (1400) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه] والعَناقُ: مِن أولادِ المعزى هيَ الأُنثى التي لم تَستَكمِلْ سَنةً. يُنظر: ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 193)، ((المجموع المغيث)) لأبي موسى المديني (2/ 513)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/311). كانوا يُؤَدُّونَه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِه. فقال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رَأيتُ اللَّهَ قد شَرَحَ صَدرَ أبي بَكرٍ للقِتالِ، فعَرَفتُ أنَّه الحَقُّ)
[324] أخرجه البخاري (7284، 7285) واللَّفظُ له، ومسلم (20) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
4- قال أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه لمَّا قال لَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الحَقْ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادعُهم لي))، (فقُلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهلِ الصُّفَّةِ؟ كُنتُ أحَقَّ أنا أن أُصيبَ مِن هذا اللَّبَنِ شَربةً أتَقَوَّى بها! فإذا جاءَ أمَرَني فكُنتُ أنا أُعطيهم، وما عَسى أن يَبلُغَني مِن هذا اللَّبَنِ؟! ولَم يَكُنْ مِن طاعةِ اللهِ وطاعةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُدٌّ)
[325] أخرجه البخاري (6452). .
5- عن رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (كُنَّا نُحاقِلُ
[326] المُحاقَلةُ هنا: هيَ كِراءُ الأرضِ بجُزءٍ مِمَّا يَخرُجُ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/107). الأرضَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنُكريها
[327] أكرى الأرضَ: آجَرَها. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/ 576)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 532). بالثُّلُثِ والرُّبعِ، والطَّعامِ المُسَمَّى، فجاءَنا ذاتَ يَومٍ رَجُلٌ مِن عُمومَتي، فقال: نَهانا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أمرٍ كان لَنا نافِعًا، وطَواعيةُ اللهِ ورَسولِه أنفَعُ لَنا)
[328] أخرجه مسلم (1548). .