موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: إخلاصُ العِبادةِ للهِ عَزَّ وجَلَّ


يَجِبُ على العَبدِ أن يُخلِصَ العِبادةَ للهِ عَزَّ وجَلَّ [135] قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (الإخلاصُ: ألَّا تُعمَلَ الطَّاعةُ إلَّا للَّهِ؛ خَوفًا أو رَجاءً، أو مَحَبَّةً أو حَياءً، أو إجلالًا ومَهابةً على قَدرٍ مَنازِلِ العامِلينَ). ((شَجَرة المَعارِفِ)) (ص: 53). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (يَنبوعُ الخَيرِ وأصلُه: إخلاصُ العَبدِ لرَبِّه عِبادةً واستِعانةً، كما في قَولِه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، وفي قَولِه: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: 123] ، وفي قَولِه: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى: 10] ، وفي قَولِه: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ [العنكبوت: 17] ، بحَيثُ يَقطَعُ العَبدُ تَعَلُّقَ قَلبِه مِنَ المَخلوقينَ انتِفاعًا بهم أو عَمَلًا لأجلِهم، ويَجعَلُ همَّتَه رَبَّه تعالى، وذلك بمُلازَمةِ الدُّعاءِ له في كُلِّ مَطلوبٍ مِن فاقةٍ وحاجةٍ ومَخافةٍ وغَيرِ ذلك، والعَمَلِ له بكُلِّ مَحبوبٍ. ومَن أحكَمَ هذا فلا يُمكِنُ أن يوصَفَ ما يُعقِبُه ذلك). ((مجموع الفتاوى)) (10/ 659، 660). وقيل الإخلاصُ: هو إفرادُ الحَقِّ سُبحانَه بالقَصدِ في الطَّاعةِ. وقيل: تَصفيةُ الفِعلِ عن مُلاحَظةِ المَخلوقينَ. وقيل: التَّوقِّي مِن مُلاحَظةِ الخَلقِ حتَّى عن نَفسِك. يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 91). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5] .
2- قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2-3] .
3- قال تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر: 11 - 15] .
4- قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2] .
قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ في قَولِه تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا: (أخلَصُه وأصوَبُه؛ فإنَّ العَمَلَ إذا كان خالصًا ولَم يَكُنْ صَوابًا لَم يُقبَلْ، وإذا كان صَوابًا ولَم يَكُنْ خالصًا لَم يُقبَلْ، حَتَّى يَكونَ خالصًا صَوابًا، والخالِصُ إذا كان للهِ، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّةِ) [136] يُنظر: ((الإخلاص والنية)) لابن أبي الدنيا (22)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 95). .
5- قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] .
(أي: فمَن كان يَرجو رُؤيةَ اللهِ في الآخِرةِ وثَوابَه، ويَخشى عِقابَه؛ فليَعمَلْ في الدُّنيا عَمَلًا صالحًا خالصًا للَّه، موافِقًا لشَرعِه وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، أي: لا يَعبُدْ مَعَ اللهِ غَيرَه، ولا يُراءِ في عِبادةِ اللهِ أحَدًا مِنَ الخَلقِ، بَل يَجعَلُ عِبادَتَه خالصةً للهِ وحدَه لا شَريكَ له) [137] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (15/ 500، 501). .
(فهذا هو العَمَلُ المَقبولُ الذي لا يَقبَلُ اللَّهُ مِنَ الأعمالِ سِواه، وهو أن يَكونَ موافِقًا لسُنَّةِ رَسولِ اللهِ، مُرادًا به وَجهُ اللهِ، ولا يَتمكَّنُ العامِلُ مِنَ الإتيانِ بعَمَلٍ يجمَعُ هذين الوَصفينِ إلَّا بالعِلمِ؛ فإنَّه إن لم يَعلَمْ ما جاءَ به الرَّسولُ لم يُمكِنْه قَصدُه، وإن لم يَعرِفْ مَعبودَه لم يُمكِنْه إرادَتُه وَحدَه، فلولا العِلمُ لما كان عَمَلُه مَقبولًا؛ فالعِلمُ هو الدَّليلُ على الإخلاصِ، وهو الدَّليلُ على المُتابَعةِ) [138] ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/ 82). .
6- قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء: 125] .
فإسلامُ الوَجهِ: إخلاصُ القَصدِ والعَمَلِ للَّهِ. والإحسانُ فيه: مُتابَعةُ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسُنَّتِه [139] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 89). ، فلا يَقبَلُ اللهُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما كان خالصًا لوَجهِه، على مُتابَعةِ أمرِه، وما عَدا ذلك فهو مَردودٌ على عامِلِه، يُرَدُّ عليه أحوَجَ ما هو إليه هَباءً مَنثورًا [140] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/ 105). ؛ قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] ، وهيَ الأعمالُ التي كانت على غَيرِ السُّنَّةِ، أو أُريدَ بها غَيرُ وَجهِ اللهِ [141] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 89). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى؛ فمَن كانت هِجرَتُه إلى اللهِ ورَسولِه فهِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه، ومَن كانت هِجرتُه لدُنيا يُصيبُها أوِ امرَأةٍ يَتَزَوَّجُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه)) [142] أخرجه البخاري (54) واللفظ له، ومسلم (1907). .
2- عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أرأيتَ رَجُلًا غزا يلتَمِسُ الأجرَ والذِّكرَ، ما له؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا شيءَ له، فأعادها ثلاثَ مرَّاتٍ، يقولُ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا شَيءَ له، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ لا يَقبَلُ من العَمَلِ إلَّا ما كان له خالِصًا، وابتُغِيَ به وَجهُه)) [143] أخرجه مِن طُرُقِ: النسائي (3140) واللَّفظُ له، والطبراني (8/165) (7628). حسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (8)، وجَوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/40)، وابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/81)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (6/35)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/68)، وحَسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/112) .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تَبارَكَ وتعالى: أنا أغنى الشُّرَكاءِ عنِ الشِّركِ، مَن عَمِل عَمَلًا أشرَكَ فيه مَعي غَيري تَرَكتُه وشِركَه)) [144] أخرجه مسلم (2985). .

انظر أيضا: