موسوعة الآداب الشرعية

فَوائِدُ مُتَفرِّقةٌ


1- عن أبي وائِلٍ شَقيقِ بنِ سَلَمةَ، قال: سَمِعتُ حُذيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كُنَّا جُلوسًا عِندَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: أيُّكُم يَحفظُ قَولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الفِتنةِ؟ قُلتُ: أنا، كما قاله، قال: إنَّك عليه أو عليها لجَريءٌ، قُلتُ: فِتنةُ الرَّجُلِ في أهلِه ومالِه وولدِه وجارِه تُكفِّرُها الصَّلاةُ والصَّومُ والصَّدَقةُ، والأمرُ والنَّهيُ، قال: ليس هذا أريدُ، ولكِنِ الفِتنةُ التي تَموجُ كما يَموجُ البَحرُ، قال: ليس عليك مِنها بَأسٌ يا أميرَ المُؤمِنينَ، إنَّ بينَك وبينَها بابًا مُغلَقًا، قال: أيُكسَرُ أم يُفتَحُ؟ قال: يُكسَرُ! قال: إذًا لا يُغلَقُ أبَدًا! قُلْنا: أكان عُمَرُ يَعلَمُ البابَ؟ قال: نَعَمْ، كما أنَّ دونَ الغَدِ اللَّيلةَ، إنِّي حَدَّثتُه بحَديثٍ ليس بالأغاليطِ، فهِبْنا أن نَسأل حُذيفةَ، فأمَرْنا مَسروقًا فسَأله، فقال: البابُ عُمَرُ)) [2096] أخرجه البخاري (525). .
وفي رِوايةٍ عن رِبعيٍّ، عن حُذيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا عِندَ عُمَرَ، فقال: أيُّكُم سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ الفِتَنَ؟ فقال قَومٌ: نَحنُ سَمِعناه، فقال: لعَلَّكُم تَعنونَ فِتنةَ الرَّجُلِ في أهلِه وجارِه؟ قالوا: أجَلْ، قال: تلك تُكفِّرُها الصَّلاةُ والصِّيامُ والصَّدَقةُ، ولكِنْ أيُّكُم سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ التي تَموجُ مَوجَ البَحرِ؟ قال حُذيفةُ: فأسكَتَ القَومُ، فقُلتُ: أنا، قال: أنتَ للَّهِ أبوك! قال حُذيفةُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ كالحَصيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قَلبٍ أنكَرَها، نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتَّى تَصيرَ على قَلبينِ: على أبيَضَ مِثلِ الصَّفا فلا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السَّماواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودُ مُربادًّا [2097] مُربادًّا: أي: صارَ كَلونِ الرَّمادِ، مِنَ الرُّبْدةِ: لونٌ بَينَ السَّوادِ والغَبَرةِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 396)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/ 3378). كالكُوزِ مُجَخِّيًا [2098] التَّجخيةُ: المَيلُ، والمُجَخِّي: المائِلُ عنِ الاستِقامةِ والاعتِدالِ، فقَولُه: ((كالكوزِ مُجَخِّيًا)) أي: مائِلًا؛ لأنَّه إذا مال انصَبَّ ما فيه، فشَبَّه القَلبَ الذي لا يَعي خَيرًا بالكوزِ المائِلِ الذي لا يَثبُتُ فيه شَيءٌ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (5/ 139)، ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2298)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 242). لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلَّا ما أُشرِبَ مِن هَواه. قال حُذَيفةُ: وحَدَّثتُه أنَّ بينَك وبينَها بابًا مُغلَقًا يوشِكُ أن يُكسَرَ! قال عُمَرُ: أكَسْرًا لا أبا لك؟! فلو أنَّه فُتِحَ لعَلَّه كان يُعادُ، قُلتُ: لا، بَل يُكسَرُ! وحَدَّثتُه أنَّ ذلك البابَ رَجُلٌ يُقتَلُ أو يَموتُ، حَديثًا ليس بالأغاليطِ)) [2099] أخرجه مسلم (144). .
قال النَّوويُّ: (فِتنةُ الرَّجُلِ في أهلِه ومالِه ووَلَدِه ضُروبٌ مِن فَرطِ مَحَبَّتِه لهم وشُحِّه عليهم وشَغلِه بهم عن كثيرٍ مِنَ الخيرِ، كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التَّغابُن: 15] ، أو لتَفريطِه بما يَلزَمُ مِنَ القيامِ بحُقوقِهم وتَأديبِهم وتَعليمِهم؛ فإنَّه راعٍ لهم ومسؤولٌ عن رَعيَّتِه، وكذلك فِتنةُ الرَّجُلِ في جارِه مِن هذا؛ فهذه كُلُّها فِتَنٌ تَقتَضي المُحاسَبةَ، ومِنها ذُنوبٌ يُرجى تَكفيرُها بالحَسَناتِ، كما قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] ) [2100] ((شرح مسلم)) (2/ 171). .
وقال ابنُ رَجَبٍ: (أصلُ الفِتنةِ: الابتِلاءُ والامتِحانُ والاختِبارُ، ويَكونُ تارةً بما يَسوءُ، وتارةً بما يَسُرُّ، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] ، وقال: وَبَلَوْنَاهُمْ بالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168] .
وغَلبَ في العُرفِ استِعمالُ الفِتنةِ في الوُقوعِ فيما يَسوءُ.
والفِتنةُ نَوعانِ؛ أحَدُهما: خاصَّةٌ، تَختَصُّ بالرَّجُلِ في نَفسِه. والثَّاني: عامَّةٌ، تَعُمُّ النَّاسَ.
فالفِتنةُ الخاصَّةُ: ابتِلاءُ الرَّجُلِ في خاصَّةِ نَفسِه بأهلِه ومالِه ووَلَدِه وجارِه، وقد قال تعالى: إِنَّما أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] ؛ فإنَّ ذلك غالبًا يُلهي عن طَلَبِ الآخِرةِ والاستِعدادِ لها، ويَشغَلُ عن ذلك.
ولمَّا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ على المِنبَرِ، ورَأى الحَسَنَ والحُسينَ يَمشيانِ ويَعثُرانِ وهما صَغيرانِ، نَزَل فحَمَلهما، ثُمَّ قال: ((صَدَقَ اللهُ ورَسولُه إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، إنِّي رَأيتُ هَذينِ الغُلامينِ يَمشيانِ ويَعثُرانِ، فلم أصبِرْ)) [2101] لفظُه: عن بُريدةَ، يَقولُ: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُنا إذ جاءَ الحَسَنُ والحُسينُ عَليهما قَميصانِ أحمَرانِ يَمشيانِ ويَعثُرانِ، فنَزَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ المِنبَرِ، فحَمَلَهما ووضَعَهما بينَ يَديه، ثُمَّ قال: "صَدَقَ اللهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] نَظَرتُ إلى هَذينِ الصَّبيَّينِ يَمشيانِ ويَعثُرانِ، فلم أصبِرْ حتَّى قَطَعتُ حَديثي ورَفعتُهما. أخرجه أبو داود (1109)، والترمذي (3774) واللَّفظُ له، والنسائي (1585). صَحَّحَه ابن خزيمة في ((الصحيح)) (2/564)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6039)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1073)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3774). .
وقد ذَمَّ اللَّه تعالى مَن ألَّهاه ماله وولده عن ذِكرِه، فقال: لا تُلهكُم أموالُكُم ولا أولادُكُم عن ذِكرِ اللهِ ومَن يَفعَل ذلك فأولئِك همُ الخاسِرونَ [المُنافِقونَ: 9] .
فظَهَرَ بهذا أنَّ الإنسانِ يُبتَلى بمالِه ووَلَدِه وأهلِه وبجارِه المُجاوِرِ له، ويُفتَتَنُ بذلك؛ فتارةً يُلهيه الاشتِغالُ به عَمَّا يَنفعُه في آخِرَتِه، وتارةً تَحمِلُه مَحَبَّتُه على أن يَفعَل لأجلِه بَعضَ ما لا يُحِبُّه اللهُ، وتارةً يُقَصِّرُ في حَقِّه الواجِبِ عليه، وتارةً يَظلِمُه ويَأتي إليه ما يَكرَهُه اللهُ مِن قَولٍ أو فِعلٍ؛ فيُسألُ عَنه ويُطالَبُ به.
فإذا حَصَل للإنسانِ شيءٌ مِن هذه الفِتَنِ الخاصَّةِ، ثُمَّ صَلَّى أو صامَ أو تَصَدَّق أو أمَر بمَعروفٍ أو نَهى عن مُنكَرٍ، كان ذلك كفَّارةً له، وإذا كان الإنسانُ تَسوؤه سيِّئَتُه، ويَعمَلُ لأجلِها عَمَلًا صالحًا، كان ذلك دَليلًا على إيمانِه) [2102] ((فتح الباري)) (4/ 201-203). ويُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/ 81). .
2- ذكَر السَّعديُّ قاعدةً، وهي: (القُرآنُ يَجري في إرشاداتِه مَعَ الزَّمانِ والأحوالِ في أحكامِه الرَّاجِعةِ للعُرفِ والعَوائِدِ)، فقال: (هذه قاعِدةٌ جَليلةُ المِقدارِ، عَظيمةُ النَّفعِ؛ فإنَّ اللَّهَ أمَر عِبادَه بالمَعروفِ، وهو ما عُرِف حَسَنُه شَرعًا وعَقلًا وعُرفًا، ونَهاهم عَنِ المُنكَرِ، وهو ما ظَهَر قُبحُه شَرعًا وعَقلًا وعُرفًا، وأمَر المُؤمِنينَ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، ووصَفَهم بذلك.
فما كان مِنَ المَعروفِ لا يَتَغيَّرُ في الأحوالِ والأوقاتِ؛ كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ، وغيرها مِنَ الشَّرائِعِ الرَّاتِبةِ، فإنَّه أمَرَ به في كُلِّ وقتٍ، والواجِبُ على الآخِرينَ نَظيرُ الواجِبِ على الأوَّلينَ مِن هذه الأمَّةِ. وما كان مِنَ المُنكَرِ لا يَتَغيَّرُ كذلك بتَغيُّرِ الأوقاتِ؛ كالشِّركِ، والقَتلِ بغيرِ حَقٍّ، والزِّنا وشُربِ الخَمرِ ونَحوِها، ثَبَتَت أحكامُه في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، لا يَتَغيَّرُ ولا يَختَلِفُ حُكمُه.
وما كان يَختَلِفُ بِاختِلافِ الأمكِنةِ والأزمنةِ والأحوالِ، فهو المُرادُ هاهنا؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى يَرُدُّهم فيه إلى العُرفِ والعادةِ والمَصلَحةِ المُتَعيَّنةِ في ذلك الوقتِ.
وذلك أنَّه أمَرَ بالإحسانِ إلى الوالِدينِ بالأقوالِ والأفعالِ، ولم يُعيِّنْ لعِبادِه نَوعًا خاصًّا مِنَ الإحسانِ والبرِّ؛ ليَعُمَّ كُلَّ ما تجَدَّد مِنَ الأوصافِ والأحوالِ؛ فقَد يَكونُ الإحسانُ إليهم في وقتٍ غيرَ الإحسانِ في الوقتِ الآخَرِ، وفي حَقِّ شَخصٍ دونَ حَقِّ الشَّخصِ الآخَرِ.
فالواجِبُ الذي أوجَبَه اللهُ: النَّظَرُ في الإحسانِ المَعروفِ في وقتِك ومَكانِك، في حَقِّ والِدَيك.
ومِثلُ ذلك: ما أمَرَ به مِنَ الإحسانِ إلى الأقارِبِ والجيرانِ والأصحابِ ونَحوِهم؛ فإنَّ ذلك راجِعٌ في نَوعِه وجِنسِه وأفرادِه إلى ما يتَعارَفُه النَّاسُ إحسانًا.
وكذلك ضِدُّه مِنَ العُقوقِ والإساءةِ يُنظَرُ فيه إلى العُرفِ، وكذلك قَولُه تعالى في سورةِ النِّساءِ: وَعَاشِرُوهُنَّ بالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] ، وفي سورةِ البَقَرةِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] ؛ فرَدَّ اللَّهُ الزَّوجينِ في عِشرتِهما وأداءِ حَقِّ كُلٍّ مِنهما على الآخَرِ على المَعروفِ المُتَعارَفِ عِندَ النَّاسِ في قُطرِك وبَلدِك وحالِك، وذلك يَختَلفُ اختِلافًا عَظيمًا لا يُمكِنُ إحصاؤُه عَدًّا؛ فدَخَل ذلك كُلُّه في هذه النُّصوصِ المُختَصَرةِ، وهذا مِن آياتِ القُرآنِ وبَراهينِ صِدقِه) [2103] ((القواعِد الحسان لتفسير القرآن)) (ص: 62، 63). .
3- قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (رَوى يَحيى بنُ يَحيى الباجيُّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ الفَضلِ المَكِّيُّ، قال: حَدَّثَني أبي عن إبراهيمَ عن عَبدِ اللَّهِ، قال: مَرَّ مالِكُ بنُ أنَسٍ بقَينةٍ [2104] القَينةُ: الأَمَةُ، والمُغَنِّيةُ. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 219). تُغَنِّي شِعرَ مُسلِمٍ:
أنتِ أختي وأنتِ حُرمةُ جاري
وحَقيقٌ عَلَيَّ حِفظُ الجِوارِ
إنَّ للجارِ إن تَغيَّبَ غَيبًا
حافِظًا للمَغيبِ والأسرارِ
ما أُبالي أكان للبابِ سِترٌ
مُسبَلٌ أم بَقي بغيرِ سِتارِ
فقال مالِكٌ: عَلِّموا أهليكُم هذا ونَحوَه!
وعَن مالكٍ أيضًا، قال مالِكُ بنُ أنَسٍ: قال أبو حازِمٍ: كان أهلُ الجاهليَّةِ أحسَن جِوارًا مِنكُم، فإن قُلتُم: لا. فبينَنا وبينَكُم قَولُ شاعِرِهم [2105] هو مِسكينٌ الدَّارِميُّ. يُنظر: ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2 210) و (3 263)، ((حماسة الخالديين)) (ص: 35)، ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (1/ 390). :
ناري ونارُ الجارِ واحِدةٌ
وإليه قَبلي تَنزِلُ القِدْرُ
ما ضَرَّ جارًا لي أجاوِرُه
ألَّا يَكونَ لبَيتِه سِتْرُ
أعمى إذا ما جارَتي بَرَزَت
حتَّى يواريَ جارَتي الخِدْرُ
وقال آخَرُ:
أقولُ لجاري إذ أتاني مُعاتِبًا
مُدِلًّا بحَقٍّ أو مُدِلًّا بباطِلِ
إذا لم يَصِلْ خيري وأنتَ مُجاوِري
إليك فما شَرِّي إليك بواصِلِ
قال الأصمَعيُّ: ومِن أحسَنِ ما قيل في حُسنِ الجِوارِ:
جاورتُ شَيبانَ فاحلَولى [2106] حَلا الشَّيءُ يَحلو حَلاوةً، واحلولى مِثلُه، افعَوعَلَ، مِنَ الحَلاوةِ، وهو مِن أبنيةِ المُبالغةِ. يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 295)، ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2317)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 195). جِوارُهم
إنَّ الكِرامَ خيارُ النَّاسِ للجارِ
مِن كلامِ عليٍّ رَحِمَه اللهُ: الجارُ قَبلَ الدَّارِ، والرَّفيقُ قَبلَ الطَّريقِ.
أخذَه الشَّاعِرُ، فقال:
يَقولونَ قَبلَ الدَّارِ جارٌ مُجاوِرٌ
وقَبلَ الطَّريقِ النَّهجِ أُنسُ رَفيقِ
وقال آخَرُ:
اطلُبْ لنَفسِك جيرانًا تُجاوِرُهم
لا تُصلِحِ الدَّارَ حتَّى يَصلُحَ الجارُ
وقال آخَرُ:
يَلومونَني أن بِعتُ بالرُّخصِ مَنزِلي
ولم يَعرِفوا جارًا هناك يُنَغِّصُ
فقُلتُ لهم كُفُّوا المَلامَ فإنَّها
بجيرانِها تَغلو الدِّيارُ وتَرَخُصُ
قال الحَسَنُ البَصريُّ رَحِمَه اللهُ: إلى جَنبِ كُلِّ مُؤمِنٍ مُنافِقٌ يُؤذيه.
وقال بَشَّارُ بنُ بِشرٍ المجاشِعيُّ:
وإنِّي لعَفٌّ عن زيارةِ جارَتي
وإنِّي لمَشنوءٌ [2107] مَشنوءٌ: أي: مُبغَضٌ. يُنظر: ((الألفاظ)) لابن السكيت (ص: 434). لدَيَّ اغتِيابُها
إذا غابَ عَنِّي بَعلُها لم أكُنْ لها
زَؤورًا ولم تَأنَسْ إليَّ كِلابُها
ولم أكُ طَلَّابًا أحاديثَ سِرِّها
ولا عالِمًا مِن أيِّ جِنسٍ ثيابُها
قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: مِن حَقِّ الجارِ أن تَبسُطَ له مَعروفَك، وتَكُفَّ عَنه أذاك.
قال عليٌّ للعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ما بَقِيَ مِن كرَمِ أخلاقِك؟ قال: الإفضالُ على الإخوانِ، وتَركُ أذى الجيرانِ.
كان يُقالُ: ليس مِن حُسنِ الجِوارِ تَركُ الأذى، ولكِنَّه الصَّبرُ على الأذى) [2108] ((بهجة المجالس)) (1/ 289-292). .
4- قال ابنُ حَجَرٍ: (اسمُ الجارِ يَشمَلُ المُسلِمَ والكافِرَ، والعابِدَ والفاسِقَ، والصَّديقَ والعَدوَّ، والغَريبَ والبَلديَّ، والنَّافِعَ والضَّارَّ، والقَريبَ والأجنَبيَّ، والأقرَبَ دارًا والأبعَدَ، وله مَراتِبُ بَعضُها أعلى مِن بَعضٍ، فأعلاها مَنِ اجتَمَعَت فيه الصِّفاتُ الأوَلُ كُلُّها ثُمَّ أكثَرُها، وهَلُمَّ جَرًّا إلى الواحِدِ، وعَكسُه مَنِ اجتَمَعَت فيه الصِّفاتُ الأُخرى كذلك، فيُعطى كُلٌّ حَقَّه بحَسَبِ حالِه، وقد تَتَعارَضُ صِفتانِ فأكثَرُ، فيُرَجِّحُ أو يُساوي) [2109] ((فتح الباري)) (10/ 441). .



انظر أيضا: