ثامنَ عشرَ: دعاءُ اللهِ واللُّجوءُ إليه
مِنَ الأدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: كَثرةُ دُعائِه سُبحانَه، وحُسنُ الِالتِجاءِ إليه.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] .
2- قال تعالى:
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 55-56] .
3- قال تعالى:
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] .
4- قال تعالى:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] .
5- قال تعالى:
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((الدُّعاءُ هو العِبادةُ، ثُمَّ قَرَأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] )) [236] أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (3247) واللفظ له، وابن ماجه (3828). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (890)، وابن الملقن في ((ما تمس إليه الحاجة)) (95)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/112)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3828)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1177)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
قال القاريُّ: («الدُّعاءُ» أي: دُعاءُ الحَقِّ «هو العِبادةُ» أي: عِبادةُ الخَلقِ... والأظهَرُ أنَّ الحَصرَ حَقيقيٌّ لا ادِّعائيٌّ؛ فإنَّ إظهارَ العَبدِ العَجزَ والِاحتياجَ عن نَفسِه، والِاعتِرافَ بأنَّ اللَّهَ قادِرٌ على إجابَتِه، سَواءٌ استَجابَ لَه أو لم يَستَجِبْ، كَريمٌ غَنيٌّ لا بُخلَ لَه ولا احتياجَ لَه إلى شَيءٍ حتَّى يَدَّخِرَ لنَفسِه ويَمنَعَه عن عِبادِه: هو عَينُ العِبادةِ ومُخُّها، ومُخُّ الشَّيءِ خالِصُه وما يَقومُ به، والمَعنى: أنَّ العِبادةَ لا تَقومُ إلَّا بالدُّعاءِ، كما أنَّ الإنسانَ لا يَقومُ إلَّا بالمُخِّ. وقال القاضي: أي: هو العِبادةُ الحَقيقيَّةُ التي تَستَأهِلُ أن تُسَمَّى عِبادةً؛ لدَلالَتِه على الإقبالِ على اللهِ تعالى، والإعراضِ عَمَّن سِواه)
[237] ((الحرز الثمين)) (ص: 133، 134). ويُنظر: ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 9). .
وقال الشَّوكانيُّ: (قَولُه: «الدُّعاءُ هو العِبادةُ» هذه الصِّفةُ المُقتَضيةُ للحَصرِ مِن جِهةِ تَعريفِ المُسنَدِ إليه، ومِن جِهةِ تَعريفِ المُسنَدِ، ومِن جِهةِ ضَميرِ الفصلِ: تَقتَضي أنَّ الدُّعاءَ هو أعلى أنواعِ العِبادةِ وأرفَعُها وأشرَفُها... والآيةُ الكَريمةُ قد دَلَّت على أنَّ الدُّعاءَ مِنَ العِبادةِ؛ فإنَّه سُبحانَه وتعالى أمَر عِبادَه أن يَدعوه، ثُمَّ قال:
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافِر: 60] ، فأفادَ ذلك أنَّ الدُّعاءَ عِبادةٌ، وأنَّ تَركَ دُعاءِ الرَّبِّ سُبحانَه استِكبارٌ، ولا أقبَحَ مِن هذا الِاستِكبارِ، وكَيف يَستَكبِرُ العَبدُ عن دُعاءِ مَن هو خالِقٌ لَه ورازِقُه ومُوجِدُه مِنَ العَدَمِ، وخالِقُ العالَمِ كُلِّه ورازِقُه، ومُحييه ومميتُه، ومُثيبُه ومُعاقِبُه؟! فلا شَكَّ أنَّ هذا الِاستِكبارَ طَرَفٌ مِنَ الجُنونِ، وشُعبةٌ مِن كُفرانِ النِّعَمِ)
[238] ((تحفة الذاكرين)) (ص: 33). .
2- عن سَعيدِ بنِ عبدِ العَزيزِ، عن رَبيعةَ بنِ يَزيدَ، عن أبي إدريسَ الخَولانيِّ، عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((فيما رَوى عنِ اللهِ تَبارَكَ وتعالى أنَّه قال: يا عِبادي، إنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسي، وجَعلتُه بَينَكم مُحَرَّمًا؛ فلا تَظالَموا، يا عِبادي كُلُّكُم ضالٌّ إلَّا مَن هَدَيتُه، فاستَهدوني أهدِكُم، يا عِبادي كُلُّكُم جائِعٌ إلَّا مَن أطعَمتُه، فاستَطعِموني أُطعِمْكُم، يا عِبادي كُلُّكُم عارٍ إلَّا مَن كَسَوتُه، فاستَكسوني أكسُكُم، يا عِبادي إنَّكُم تُخطِئونَ باللَّيلِ والنَّهارِ، وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا، فاستَغفِروني أغفِرْ لَكُم، يا عِبادي إنَّكُم لَن تَبلُغوا ضَرِّي فتَضُرُّوني ولَن تَبلُغوا نَفعي فتَنفَعوني، يا عِبادي لو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قَلبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنكُم، ما زادَ ذلك في مُلكي شَيئًا، يا عِبادي لو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ واحِدٍ، ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شَيئًا، يا عِبادي لو أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صَعيدٍ واحِدٍ فسَألوني فأعطَيتُ كُلَّ إنسانٍ مَسألَتَه، ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِندي إلَّا كما يَنقُصُ المِخْيَطُ [239] المِخْيَطُ -بكَسرِ الميمِ، وسكونِ الخاءِ المُعجَمةِ، وفَتحِ الياءِ المُثَنَّاةِ تحتَ-: هو ما يُخاُط به الثَّوبُ، كالإبرةِ ونَحوِها. يُنظر: ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (2/ 477). إذا أُدخِلَ البَحرَ، يا عِبادي إنَّما هيَ أعمالُكُم أُحصيها لَكُم، ثُمَّ أوفِّيكُم إيَّاها، فمَن وجَدَ خَيرًا فليَحمَدِ اللَّهَ، ومِن وَجَد غَيرَ ذلك فلا يَلومَنَّ إلَّا نَفسَه)). قال سَعيدٌ: كان أبو إدريسَ الخَولانيُّ إذا حَدَّثَ بهذا الحَديثِ جَثا على رُكبَتَيه
[240] أخرجه مسلم (2577). .
3- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما دَعَوتَني ورَجَوتَني غَفرتُ لك على ما كان مِنك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو بَلغَت ذُنوبُك عَنانَ [241] العَنانُ: السَّحابُ، واحِدَتُه: عَنانةٌ، وقيل: هو ما عنَّ لك مِنها، أي: ما اعتَرَضَ وظَهَرَ لك إذا رَفَعتَ رَأسَك. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 40)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 404). السَّماءِ ثُمَّ استغفَرتَني غَفرتُ لك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو أتَيتَني بقُرابِ الأرضِ [242] بقُرابِ الأرضِ: أي: بما يُقارِبُ مَلأَها. يُنظر: ((الغريبين)) للهروي (5/ 1519). خَطايا ثُمَّ لَقِيتَني لا تُشرِكُ بي شَيئًا، لأتَيتُك بقُرابِها مَغفِرةً)))
[243] أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4305)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/231). حسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4338)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((رياض الصالحين)) (442)، وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/400): إسنادُه لا بَأسَ به. .
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ اللَّهَ يَقولُ: أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي، وأنا مَعَه إذا دَعاني)) [244] أخرجه مسلم (2675). .
5- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَنزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتعالى كُلَّ لَيلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا حينَ يُبقى ثُلثُ اللَّيلِ الآخِرُ، فيَقولُ: مَن يَدعوني فأستَجيبَ لَه؟ ومَن يَسألُني فأُعطيَه؟ ومَن يَستَغفِرُني فأغفِرَ لَه؟)) [245] أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ:
((يَنزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيلةٍ حينَ يَمضي ثُلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ، فيَقولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، مَن ذا الذي يَدعوني فأستَجيبَ لَه؟ مَن ذا الذي يَسألُني فأُعطيَه؟ مَن ذا الذي يَستَغفِرُني فأغفِرَ لَه؟ فلا يَزالُ كذلك حتَّى يُضيءَ الفَجرُ)) [246] أخرجها مسلم (758). .
ج- مِنَ الآثارِعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّ أبخَلَ النَّاسِ مَن بَخِلَ بالسَّلامِ، وأعجَزَ النَّاسِ مَن عَجَزَ عنِ الدُّعاءِ)
[247] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1042) باختلاف يسير، وابن حبان (4498)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8769) واللفظ لهما. صحَّحه ابن حبان، وابن حجر في ((فتح الباري)) (9/477)، وصحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (795). .
قال المُناويُّ: (... و«أعجَزُ النَّاسِ» أي: مِن أضعَفِهم رَأيًا وأعماهم بَصيرةً «مَن عَجَزَ عنِ الدُّعاءِ» أي: الطَّلَبِ مِنَ اللهِ تعالى، لا سيَّما عِندَ الشَّدائِدِ؛ لتَركِه ما أمَرَه اللَّهُ به، وتَعَرُّضِه لغَضَبِه بإهمالِه ما لا مَشَقَّةَ عليه فيه. وفيه قيل:
لا تسألَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حاجةً
وسَلِ الذي أبوابُه لا تُحجَبُ
اللَّهُ يَغضَبُ إن تَرَكتَ سُؤالَه
وبُنَيُّ آدَمَ حينَ يُسأَلُ يَغضَبُ
وفيه رَدٌّ على مَن زَعَمَ أنَّ الأَولى عَدَمُ الدُّعاءِ)
[248] يُنظر: ((فيض القدير)) (1/ 556). .
فوائِدُ:1- قال النَّوويُّ في تَضاعيفِ شَرحِ أحاديثِ التَّعَوُّذِ: (في هذه الأحاديثِ دَليلٌ لاستِحبابِ الدُّعاءِ، والِاستِعاذةِ مِن كُلِّ الأشياءِ المَذكورةِ وما في مَعناها، وهذا هو الصَّحيحُ الذي أجمَعَ عليه العُلَماءُ وأهلُ الفتاوى في الأمصارِ، وذَهَبَت طائِفةٌ مِنَ الزُّهَّادِ وأهلِ المَعارِفِ إلى أنَّ تَركَ الدُّعاءِ أفضَلُ؛ استِسلامًا للقَضاءِ، وقال آخَرونَ مِنهم: إن دَعا للمُسلِمينَ فحَسَنٌ، وإن دَعا لنَفسِه فالأَولى تَركُه، وقال آخَرونَ مِنهم: إن وَجَدَ في نَفسِه باعِثَ الدُّعاءِ استُحِبَّ، وإلَّا فلا. ودَليلُ الفُقَهاءِ ظَواهِرُ القُرآنِ والسُّنَّةِ في الأمرِ بالدُّعاءِ وفِعلِه، والأخبارُ عنِ الأنبياءِ -صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم أجمَعينَ- بفِعلِه)
[249] ((شرح مسلم)) (17/ 30). .
وقال أيضًا في شَرحِ حَديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((سَحَر رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يهوديٌّ من يهودِ بني زُرَيقٍ، يُقالُ له: لَبِيدُ بنُ الأعصَمِ، قالت: حتَّى كان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخَيَّلُ إليه أنَّه يفعَلُ الشَّيءَ وما يفعَلُه! حتَّى إذا كان ذاتَ يومٍ أو ذاتَ ليلةٍ دعا رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ دعا، ثمَّ دعا، ثمَّ قال: يا عائشةُ، أشعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفتاني فيما استفتَيتُه فيه؟ جاءني رجلانِ فقَعَد أحَدُهما عِندَ رأسي والآخَرُ عِندَ رِجْلي، فقال الذي عِندَ رأسي للذي عِندَ رِجلي، أو الذي عِندَ رِجلي للذي عِندَ رأسي: ما وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قال: مطبوبٌ [250] المَطبوبُ: المَسحورٌ، يُقالُ: طُبَّ الرَّجُلُ: إذا سُحِرَ، فكَنَّوا بالطِّبِّ عنِ السِّحرِ، كما كَنَّوا بالسَّليمِ عنِ اللَّديغِ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 177). ، قال: مَن طَبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، قال: في أيِّ شيءٍ؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطةٍ [251] المُشاطةُ: هيَ الشَّعرُ الذي يَسقُطُ مِنَ الرَّأسِ أوِ اللِّحيةِ عِندَ تَسريحِه. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 177). ، قال: وجُفِّ طَلعةِ ذَكَرٍ [252] الجف وفي رواية: «وجُبِّ» وهما بمعنًى، هو وِعاءُ طَلعِ النَّخلِ، وهو الغِشاءُ الذي يَكونُ عليه، ويُطلَقُ على الذَّكَرِ والأُنثى؛ فلِهذا قَيَّدَه في الحَديثِ بقَولِه: «طَلعةِ ذَكَرٍ». يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 177). ، قال: فأينَ هو؟ قال: في بئرِ ذي أرَوانَ. قالت: فأتاها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أناسٍ من أصحابِه، ثمَّ قال: يا عائشةُ، واللَّهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نَخلَها رؤوسُ الشَّياطينِ! قالت: فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أفلا أحرَقْتَه؟ قال: لا، أمَّا أنا فقد عافاني اللَّهُ، وكَرِهتُ أن أُثيرَ على النَّاسِ شَرًّا، فأمَرتُ بها فدُفِنَت)) [253] أخرجه البخاري (5766)، ومسلم (2189) واللفظ له. .
(قَولُه: «حتَّى إذا كان ذاتَ يَومٍ أو ذاتَ لَيلةٍ دَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ دَعا ثُمَّ دَعا» هذا دَليلٌ لاستِحبابِ الدُّعاءِ عِندَ حُصولِ الأُمورِ المَكروهاتِ، وتَكريرِه وحُسنِ الِالتِجاءِ إلى اللهِ تعالى)
[254] ((شرح مسلم)) (14/ 176، 177). .
2- قال ابنُ تَيميَّةَ: (سُؤالُ العَبدِ لرَبِّه حاجَتَه مِن أفضَلِ العِباداتِ، وهو طَريقُ أنبياءِ اللهِ، وقد أمَرَ العِبادَ بسُؤالِه، فقال:
وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: 32] ، ومَدَحَ الذينَ يَدعونَ رَبَّهم رَغبةً ورَهبةً.
ومِنَ الدُّعاءِ ما هو فرضٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، كالدُّعاءِ المَذكورِ في فاتِحةِ الكِتابِ.
ومِن هؤلاء مَن يَحتَجُّ بما يُروى عنِ الخَليلِ أنَّه لَمَّا أُلقيَ في النَّارِ قال لَه جِبرائيلُ: هَل لَك مِن حاجةٍ؟ فقال: أمَّا إليك فلا، قال: سَلْ، قال: حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي!
وأوَّلُ هذا الحَديثِ مَعروفٌ، وهو قَولُه: أمَّا إليك فلا، وقد ثَبَتَ في "صحيحِ البخاريِّ" عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما في قَولِه: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، أنَّه قالها إبراهيمُ حينَ أُلقيَ في النَّارِ، وقالها مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قال لَه النَّاسُ:
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران: 173] [255] أخرجه البخاري (4563) ولَفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، قالها إبراهيمُ عليه السَّلامُ حينَ أُلقيَ في النَّارِ، وقالها مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] . .
وأمَّا قَولُه: "حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي" فكَلامٌ باطِلٌ خِلافُ ما ذَكَرَه اللهُ عن إبراهيمَ الخَليلِ وغَيرِه مِنَ الأنبياءِ مِن دُعائِهم للهِ ومَسألَتِهم إيَّاه، وهو خِلافُ ما أمَرَ اللَّهُ به عِبادَه مِن سُؤالِهم لَه صَلاحَ الدُّنيا والآخِرةِ، كقَولِهم:
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201] .
ودُعاءُ اللهِ وسُؤالُه والتَّوكُّلُ عليه عِبادةٌ للهِ مَشروعةٌ بأسبابٍ كَما يُقدِّرُه بها، فكَيف يَكونُ مُجَرَّدُ العِلمِ مُسقِطًا لما خَلَقَه وأمَرَ به؟!)
[256] ((مجموع الفتاوى)) (8/ 538، 539). .
وقال أيضًا: (إنَّ الأنبياءَ كُلَّهم سَألوا اللَّهَ ودَعَوه كَما ذَكَرَ اللَّهُ ذلك في قِصَّةِ آدَمَ وإبراهيمَ وموسى وغَيرِهم، وما يُروى أنَّ الخَليلَ لمَّا أُلقيَ في المَنجَنيقِ قال لَه جِبريلُ: سَلْ، قال: "حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي" لَيسَ له إسنادٌ مَعروفٌ، وهو باطِلٌ
[257] قال الألبانيُّ: ("حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي": لا أصلَ له، أورَدَه بَعضُهم مِن قَولِ إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو مِنَ الإسرائيليَّاتِ، ولا أصلَ له في المَرفوعِ، وقد أخَذَ هذا المَعنى بَعضُ مَن صَنَّف في الحِكمةِ على طَريقةِ الصُّوفيَّةِ، فقال: سُؤالُك مِنه -يَعني: اللهَ تعالى- اتِّهامٌ له! وهذه ضَلالةٌ كُبرى، فهل كان الأنبياءُ -صَلَواتُ اللهِ عليهم- مُتَّهِمينَ لرَبِّهم حينَ سَألوه مُختَلِفَ الأسئِلةِ؟ فهذا إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَقولُ: رَبَّنا إنِّي أسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا ليُقيموا الصَّلاةَ فاجعَل أفئِدةً مِنَ النَّاسِ تَهوي إليهم وارزُقهم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهم يَشكُرونَ (37) رَبَّنا [إبراهيم: 37، 38] إلى آخِرِ الآياتِ، وكُلُّها أدعيةٌ، وأدعيةُ الأنبياءِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ لا تَكادُ تُحصى. والقائِلُ المُشارُ إليه قد غَفَل عن كَونِ الدُّعاءِ -الذي هو تَضَرُّعٌ والتِجاءٌ إلى اللهِ تعالى- عِبادةً عَظيمةً بغَضِّ النَّظَرِ عن ماهيَّةِ الحاجةِ المسؤولةِ؛ ولهذا قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الدُّعاءُ هو العِبادةُ، ثُمَّ تَلا قَولَه تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] »[257]؛ ذلك لأنَّ الدُّعاءَ يُظهِرُ عُبوديَّةَ العَبدِ لرَبِّه وحاجَتَه إليه ومَسكَنتَه بَينَ يَدَيه، فمَن رَغِبَ عن دُعائِه فكَأنَّه رَغِبَ عن عِبادَتِه سُبحانَه وتعالى، فلا جَرَمَ جاءَتِ الأحاديثُ مُتَضافِرةً في الأمرِ به والحَضِّ عليه... وبِالجُملةِ، فهذا الكَلامُ المَعزوُّ لإبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لا يَصدُرُ مِن مُسلِمٍ يَعرِفُ مَنزِلةَ الدُّعاءِ في الإسلامِ، فكَيف يَصدُرُ مِمَّن سَمَّانا المُسلِمينَ؟!). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (1/ 74-76). وقال أيضًا: (مِمَّا لا شَكَّ فيه أنَّ الِاستِكبارَ عن عِبادَتِه تعالى ودُعائِه يَستَلزِمُ غَضَبَ اللهِ تعالى على مَن لا يَدعوه... وقد غَفلَ عن هذه الأحاديثِ بَعضُ جَهَلةِ الصُّوفيَّةِ أو تَجاهَلوها، بزَعمِهم أنَّ دُعاءَ اللهِ سوءُ أدَبٍ مَعَ اللهِ، مُتَأثِّرينَ في ذلك بالأثَرِ الإسرائيليِّ: "عِلمُه بحالي يُغني عن سُؤالِه!" فجَهِلوا أنَّ دُعاءَ العَبدِ لرَبِّه تعالى لَيسَ مِن بابِ إعلامِه بحاجَتِه إليه سُبحانَه وتعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7] ، وإنَّما مِن بابِ إظهارِ عُبوديَّتِه وحاجَتِه إليه وفَقرِه). ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 326). ، بَلِ الذي ثَبَتَ في الصَّحيحِ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: "حَسبي اللهُ ونِعمَ الوكيلُ"
[258] أخرجه البخاري (4563) ولَفظُه: عن ابنِ عبَّاسٍ: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، قالها إبراهيمُ عليه السَّلامُ حينَ أُلقيَ في النَّارِ، وقالها مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] . ...
وأمَّا سُؤالُ الخَليلِ لرَبِّه عَزَّ وجَلَّ فهذا مَذكورٌ في القُرآنِ في غَيرِ مَوضِعٍ، فكَيف يَقولُ: حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي، واللهُ بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ، وقد أمَرَ العِبادَ بأن يَعبُدوه ويَتَوكَّلوا عليه ويَسألوه؛ لأنَّه سُبحانَه جَعَلَ هذه الأُمورَ أسبابًا لِما يُرَتِّبُه عليها مِن إثابةِ العابِدينَ وإجابةِ السَّائِلينَ، وهو سُبحانَه يَعلَمُ الأشياءَ على ما هيَ عليه، فعِلمُه بأنَّ هذا مُحتاجٌ أو هذا مُذنِبٌ لا يُنافي أن يَأمُرَ هذا بالتَّوبةِ والِاستِغفارِ، ويَأمُرَ هذا بالدُّعاءِ وغَيرِه مِنَ الأسبابِ التي تُقضى بها حاجَتُه، كَما يَأمُرُ هذا بالعِبادةِ والطَّاعةِ التي بها يَنالُ كَرامَتَه)
[259] ((مجموع الفتاوى)) (1/ 182، 183). وقال أيضًا في قَولِ القائِلِ: "عِلمُك حَسبي": (أمَّا مُجَرَّدُ العِلمِ فلَيسَ بكافٍ للعِبادِ؛ فإنَّ اللَّهَ يَعلَمُ الأشياءَ على ما هيَ عليه؛ يَعلَمُ المُؤمِنَ مُؤمِنًا، والكافِرَ كافِرًا، والغَنيَّ غَنيًّا، والفقيرَ فقيرًا، فمُجَرَّدُ عِلمِه إن لم يَقتَرِنْ به إرادَتُه للإحسانِ إلى عَبدِه ليَفعَلَ ذلك بقُدرَتِه، لم يَحصُلْ للعَبدِ نِعمةٌ، ولَم يَندَفِعْ عنه نِقمةٌ؛ فهو سُبحانَه يَمُنُّ بحُصولِ النِّعَمِ، واندِفاعِ النِّقَمِ بعِلمِه وقُدرَتِه ورَحمَتِه. ولَكِنَّ قائِلَ هذه الكَلِمةِ أخَذَها مِن أثَرٍ إسرائيليٍّ لا أصلَ لَه، وهو ما يُروى أنَّ جِبريلَ عَرَضَ لإبراهيمَ الخَليلِ لمَّا أُلقيَ في المَنجَنيقِ فقال: هَل لَك مِن حاجةٍ؟ فقال: أمَّا إليك فلا، فقال: سَلْ، فقال: حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي.... وأمَّا قَولُه: "حَسبي مِن سُؤالي عِلمُه بحالي" فهذا لَيسَ لَه إسنادٌ مَعروفٌ، بَلِ الذي في الصَّحيحِ أنَّه قال: «حَسبي اللهُ ونِعمَ الوكيل»، لم يَقُلْ ذلك اللَّفظَ. وما نُقِلَ عنِ الأنبياءِ المُتَقدِّمينَ إن لم يَكُنْ ثابِتًا بنَقلِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُحتَجَّ به في الدِّينِ باتِّفاقِ عُلَماءِ المُسلِمينَ، لَكِن إذا كان موافِقًا لشَرعِنا ذُكِر على سَبيلِ الِاعتِضادِ لا على سَبيلِ الِاعتِمادِ، وما ثَبَتَ بنَقلِ نَبيِّنا عن شَرعِ مَن قَبلَنا فيه نِزاعٌ مَعروفٌ. وأيضًا فإنَّ مَراسيلَ أهلِ زَمانِنا عن نَبيِّنا لا نَحتَجُّ بها باتِّفاقِ العُلَماءِ مَعَ قُربِ العَهدِ وحِفظِ المِلَّةِ، فكَيف بمَراسيلِ أهلِ الكِتابِ التي يَنقُلونَها عنِ الأنبياءِ مَعَ بُعدِ الزَّمانِ وكَثرةِ الكَذِبِ والبُهتانِ؟! ثُمَّ إنَّ هذا الأثَرَ يَقتَضي أنَّ إبراهيمَ اكتَفى بعِلمِ الرَّبِّ عن سُؤالِه، وهذا يَقتَضي أنَّ العَبدَ لا يَسوغُ لَه الدُّعاءُ اكتِفاءً بعِلمِ الرَّبِّ بحالِه، وهذا خِلافُ ما حَكاه اللَّهُ عن إبراهيمَ، وخِلافُ ما اتَّفقَت عليه الأنبياءُ؛ قال اللهُ تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 126] ، إلى قَولِه: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة: 129] ، فهذه دَعوةٌ مُتَعَدِّدةٌ مِن إبراهيمَ وأدعيةُ إبراهيمَ في القُرآنِ كَثيرةٌ. وقد ذَكَرَ اللَّهُ عنِ الأنبياءِ أنَّهم دَعَوه بمَصالِحِ الدِّينِ والدُّنيا والآخِرةِ، ونُصوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ مُتَظاهِرةٌ على الأمرِ بالدُّعاءِ أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استِحبابٍ، فكَيف يُقالُ: إنَّ تَركَه مَشروعٌ؛ لعِلمِ الرَّبِّ بحالِ العَبدِ؟!). ((الرد على الشاذلي)) (ص: 4-8). .
3- قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: (لا يَمنَعنَّ أحَدَكُم مِنَ الدُّعاءِ ما يَعلَمُ مِن نَفسِه؛ فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أجابَ دُعاءَ شَرِّ الخَلقِ إبليسَ لَعنَه اللهُ؛ إذ قال:
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ [الحجر: 36-37] )
[260] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/ 306). وقيل: جوابُ اللهِ تعالى لإبليسَ إخبارٌ عن أمرٍ تحَقَّقَ، وليس إجابةً لطَلِبَةِ إبليسَ؛ لأنَّه أهونُ على اللهِ مِن أن يُجيبَ له طلبًا، وهذه هي النُّكتةُ في العدولِ عَن أن يكونَ الجوابُ: أنظَرْتُك، أو أجبْتُ لك؛ ممَّا يدُلُّ على تَكرُمةٍ باستجابةِ طَلَبِه، ولكنَّه أعلَمَه أنَّ ما سألَه أمرٌ حاصِلٌ، فسؤالُه تحصيلُ حاصلٍ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/46). قال ابنُ جريرٍ: (فإنْ قال قائلٌ: فإنَّ اللَّه قد قال له إذْ سأَله الإنظارَ إلى يومِ يُبْعَثونَ: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ في هذا الموضعِ، فقد أجابَه إِلى ما سَأل؟ قِيل له: ليس الأمرُ كذلك، وإنَّما كان مُجيبًا له إِلى ما سأل لو كان قال له: إِنَّك مِنَ المُنظَرينَ إلى الوقتِ الَّذي سألتَ، أو إلى يومِ البعثِ، أو إلى يومِ يُبعثون، أو ما أشْبَه ذلك ممَّا يدلُّ على إجابَتَه إِلى ما سأَلَ مِنَ النَّظِرَةِ). ((تفسير ابن جرير)) (10/90). .
4- قال ابنُ عَقيلٍ: (قد نَدَبَ اللَّهُ تعالى إلى الدُّعاءِ، وفي ذلك مَعانٍ:
أحَدُها: الوُجودُ؛ فإنَّ مَن ليس بمَوجودٍ لا يُدعى.
الثَّاني: الغِنى؛ فإنَّ الفقيرَ لا يُدعى.
الثَّالِثُ: السَّمعُ؛ فإنَّ الأصَمَّ لا يُدعى.
الرَّابِعُ: الكَرَمُ؛ فإنَّ البَخيلَ لا يُدعى.
الخامِسُ: الرَّحمةُ؛ فإنَّ القاسيَ لا يُدعى.
السَّادِسُ: القُدرةُ؛ فإنَّ العاجِزَ لا يُدعى)
[261] ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (2/ 678). .
3- قال ابنُ عَطاءٍ: (للدُّعاءِ أركانٌ وأجنِحةٌ وأسبابٌ وأوقاتٌ، فإن وافقَ أركانَه قَوِيَ، وإن وافقَ أجنِحتَه طارَ في السَّماءِ، وإن وافقَ مَواقيتَه فازَ، وإن وافقَ أسبابَه أنجَحَ؛ فأركانُه: حُضورُ القَلبِ والرِّقَّةُ والِاستِكانةُ والخُشوعُ وتَعَلُّقُ القَلبِ باللهِ وقَطعُه مِنَ الأسبابِ، وأجنِحَتُه: الصِّدقُ، ومَواقيتُه: الأسحارُ، وأسبابُه: الصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[262] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) لعياض (2/ 65، 66). وتُنظر: آدابُ الدُّعاءِ مِن هذه الموسوعةِ. .