الفرْعُ الثَّالثُ: كتابُ الكافي
الكافي له المقامُ الأعلى عِندَ الشِّيعةِ الاثنَي عَشْريَّةِ.
قال المُظَفَّرُ في مقدِّمتِه لأصولِ الكافي: (لمَّا كان البحثُ يدورُ حولَ كتابِنا هذا؛ فقد عرَفْت ما سجَّله على صفحاتِه مؤلِّفُه من الأحاديثِ التي يبلغُ عَدَدُها زُهاءَ سَبعةَ عَشَرَ ألفَ حديثٍ، وهي أوَّلُ موسوعةٍ إسلاميَّةٍ استطاع مؤلِّفُها أن يرسُمَ بَيْنَ دفَّتيها مثلَ هذا العَدَدِ من الأحاديثِ، وقد كلَّفَتْه هذه المجموعةُ أن يُضَحِّيَ من عُمُرِه عشرين سنةً قضاها في رِحْلاتِه متنَقِّلًا من بلدةٍ إلى أخرى، لا يبلُغُه عن أحدٍ مُؤَلف، أو يروي حديثًا، إلَّا وشَدَّ الرِّحالَ إليه، ومهما كلَّفه الأمرُ فلا يبرَحُ حتى يجتمِعَ به، ويأخُذَ عنه؛ ولذلك تمكَّن من جمعِ الأحاديثِ الصَّحيحةِ، وهذه الأحاديثُ التي جاءت في الكافي جميعُها ذهب المؤلِّفُ إلى صِحَّتِها؛ ولذلك عبَّر عنها بالصَّحيحةِ... ويعتقِدُ بعضُ العُلَماءِ أنَّه عَرَض على القائِمِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يعني الإمامَ الثَّاني عَشَرَ المَهديَّ المُنتَظَرَ لديهم فاستحسَنه، وقال: كافٍ لشيعتِنا)
[474] ((أصول الكافي)) (1/19). .
وقال المظَفَّرُ أيضًا: (قد اتَّفَق أهلُ الإمامةِ، وجمهورُ الشِّيعةِ على تفضيلِ هذا الكتابِ، والأخذِ به والثِّقةِ بخبَرِه، والاكتفاءِ بأحكامِه، وهم مجمِعون على الإقرارِ بارتفاعِ دَرَجتِه، وعُلُوِّ قَدرِه، على أنَّه القُطبُ الذي عليه مدارُ رواياتِ الثِّقاتِ المعروفين بالضَّبطِ والإتقانِ إلى اليومِ، وعندَهم أجَلُّ وأفضَلُ من جميعِ أصولِ الأحاديثِ)
[475] ((أصول الكافي)) (1/20). .
فلا خلافَ بَيْنَ الجَعفَريَّةِ حولَ مكانةِ الكافي، والكُلينيُّ يذهَبُ إلى أنَّ كُلَّ ما جمعه في الكافي صحيحٌ؛ قال هاشِم معروف الحَسَنيُّ: (إنَّ الصَّحيحَ عِندَ المتقَدِّمين هو الذي يَصِحُّ العَمَلُ به والاعتمادُ عليه، ولو لم يكُنْ من حيثُ سَنَدُه مستوفيًا للشُّروطِ التي ذَكَرناها، والصَّحيحُ في عُرفِ المتأخِّرين هو الجامِعُ لتلك الشُّروطِ)
[476] ((دراسات في الكافي للكليني والصحيح للبخاري)) (ص: 43). .
وقال هاشمٌ الحَسَنيُّ أيضًا: (المتحصَّلُ من ذلك أنَّ الذين اعتمدوا على الكافي، واعتبروا جميعَ مَرويَّاتِه حُجَّةً عليهم فيما بَيْنَهم وبين اللَّهِ سُبحانَه، هؤلاء لم يعتَمِدوا عليها إلَّا من حيثُ الوثوقُ والاطمئنانُ بالكُلينيِّ الذي اعتمد عليها، وكما ذَكَرْنا فإنَّ وثوقَ الكُلينيِّ بها لم يكُنْ مصدرُه بالنِّسبةِ إلى جميعِها عدالةَ الرُّواةِ، بل كان في بعضِها من جهةِ القرائِنِ التي تيسَّرَ له الوقوفُ عليها نظرًا لقُربِ عَهدِه بالأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ، ووجودِ الأصولِ المختارةِ في عَصرِه.
هذا بالاضافةِ إلى عنصرِ الاجتهادِ والذي يرافِقُ هذه البحوثَ في الغالبِ، يؤيِّدُ ذلك أنَّ الكُلينيَّ نفسَه لم يَدَّعِ بأنَّ مَرويَّاتِ كتابِه كُلَّها من الصَّحيحِ المتَّصِلِ سنَدُه بالمعصومِ بواسطةِ العدولِ؛ فإنَّه قال في جوابِ مَن سأله تأليفَ كتابٍ جامعٍ يصِحُّ العَمَلُ به، والاعتمادُ عليه: وقد يسَّر لي اللَّهُ تأليفَ ما سألتَ، وأرجو أن يكونَ بحيثُ توخَّيتَ، وهذا الكلامُ منه كالصَّريحِ في أنَّه قد بذل جُهدَه في جمعِه وإتقانِه، معتَمِدًا على اجتهادِه وثقتِه بتلك المجاميعِ والأصولِ الأربعِمائةِ التي كانت مرجِعًا لأكثَرِ المتقَدِّمين عليه، ومصدرًا لأكثَرِ مَرويَّاتِ كتابِه)
[477] ((دراسات في الكافي للكليني والصحيح للبخاري)) (ص: 126). .
وقال الحَسَنيُّ أيضًا: (الشَّيءُ الطَّبيعيُّ أن تتضاءَلَ تلك الثِّقةُ التي كانت للكافي على مرورِ الزَّمنِ بسَبَبِ بُعدِ المسافةِ بَيْنَ الأئِمَّةِ عليهم السَّلامُ وبينَ الطَّبقاتِ التي توالتْ مع الزَّمَنِ، وبمجيءِ دورِ العلَّامةِ الحليِّ، انفتح بابُ التَّشكيكِ في تلك الرِّواياتِ على مصراعَيه بعدَ أن صنَّف الحديثَ إلى الأصنافِ الأربعةِ، فتحَرَّر العُلَماءُ من تقليدِ المتقدِّمين فيما يعودُ إلى الحديثِ، وعرَضوا مَرويَّاتِ الكافي وغيرِه على أصولِ عِلمِ الدِّرايةِ وقواعِدِه، فما كان منها مستوفيًا للشُّروطِ المقرَّرةِ أقرُّوا العَمَلَ به والاعتمادَ عليه، وردُّوا ما لم تتوفَّرْ فيه الشُّروطُ المطلوبةُ، وعلى هذا الأساسِ توزَّعت أحاديثُ الكافي التي بلغَت: ستَّةَ عَشَرَ ألفَ حديثٍ ومائةً وتسعةً وتسعين حديثًا على النَّحوِ التَّالي:
الصَّحيحُ منها: خمسةُ آلافٍ واثنانِ وسبعون حديثًا.
والحَسَنُ: مائةٌ وأربعةٌ وأربعون حديثًا.
الموثَّقُ: ألفٌ ومائةٌ وثمانية وعشرون حديثًا.
القويُّ
[478] قال ضياءُ الدِّينِ العلَّامةُ: (قد يُقالُ للمُوَثَّقِ: القويُّ؛ لقُوَّةِ الظَّنِّ بجانبِه بسببِ توثيقِه؛ قال المامقانيُّ: وهو وإن كان صحيحًا لغةً، ولكِنَّه خلافُ الاصطلاحِ. ونَقَل عن غيره أنَّ القويَّ هو المرويُّ الإماميُّ غيرُ الممدوحِ ولا المذمومِ، وعرَّفه غيرُ واحدٍ من المتأخرين بأنَّه ما خرج عن الأقسامِ المذكورةِ ولم يدخُلْ في الضَّعيفِ). ((ضياء الدراية)) (ص: 25). : ثلاثُمائةٍ وحديثانِ.
والضَّعيفُ: تسعةُ آلافٍ وأربعُمائةٍ وخمسةٌ وثمانون حديثًا
[479] يبقى ثمانيةٌ وسِتُّون بغيرِ ذِكرٍ. ، وممَّا تجدُرُ الإشارةُ إليه أنَّ اتصافَ هذا المقدارِ من رواياتِ الكافي بالضَّعفِ لا يعني سقوطَها بكامِلِها عن درجةِ الاعتبارِ، وعَدَمَ جوازِ الاعتمادِ عليها في أمورِ الدِّينِ؛ ذلك لأنَّ وصف الرِّوايةَ بالضَّعفِ من حيثُ سَنَدِها، وبلِحاظِ ذاتِها لا يمنَعُ من قُوَّتِها من ناحيةٍ ثانيةٍ كوجودِها في أحدِ الأصولِ الأربعِمائةِ، أو بَعضِ الكُتُبِ المعتَبَرةِ، أو موافقتِها للكتابِ والسُّنَّةِ، أو لكونِها مَعمولًا بها عِندَ العُلَماءِ، وقد نصَّ أكثرُ الفُقَهاءِ أنَّ الرِّوايةَ الضَّعيفةَ إذا اشتهَر العَمَلُ بها والاعتِمادَ عليها تُصبِحُ كغيرِها من الرِّواياتِ الصَّحيحةِ، وربَّما تترجَّحُ عليها في مقامِ التَّعارضِ)
[480] ((دراسات في الكافي)) (ص: 129، 130). .
هذا هو الكافي، الكتابُ الأوَّلُ عِندَ الجَعفَريَّةِ، أمَّا الكتُبُ الثَّلاثةُ الأخرى فإنَّها تقتَصرُ على الرِّواياتِ المتَّصلةِ بالأحكامِ الفقهيَّةِ، أي أنَّها تلتقي مع الفروعِ من الكافي.
تأمُّلاتٌ في كتابِ أصولِ الكافيأولًا: الجزءُ الأوَّلُ من أصولِ الكافيلدى النَّظرِ في الجزءِ الأوَّلِ من (أصول الكافي) نجدُ أكثَر من ثلُثَيه يقعُ تحتَ عنوانِ كتابِ الحجَّةِ، أي: الإمامِ، فالكتابُ أثرٌ من آثارِ عقيدةِ الإمامةِ.
وفي أبوابِ كتابِ (الحجَّة) نجدُ بابَ الفَرْقِ بَيْنَ الرَّسولِ والنَّبيِّ والمحدِّثِ
[481] ((أصول الكافي)) (1/ 167). .
والرِّوايةُ الأولى هي: عن زُرارةَ قال: سألتُ أبا جَعفَرٍ عن قولِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ:
وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم: 51] ما الرَّسولُ وما النَّبيُّ؟ قال: النَّبيُّ الذي يرى في منامِه، ويسمعُ الصَّوتَ ولا يعاينُ الملَكَ. والرَّسولُ الذي يسمعُ الصَّوتَ، ويرى في المنامِ، ويعاينُ الملَكَ. قلتُ: الإمامُ ما منزلتُه؟ قال: يسمَعُ الصَّوتَ، ولا يرى، ولا يعاينُ الملَكَ، ثمَّ تلا هذه الآيةَ:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ [الحـج: 52] ولا محدَّثٍ
[482] ((أصول الكافي)) (1/ 167). .
وهذه من الرِّواياتِ التي يُثبتون بها النَّقصَ في كتابِ اللَّهِ؛ فقد رَوَوا عن الباقِرِ أنَّه زاد في الآيةِ: (ولا محدَّثٍ)، وليست في المصاحِفِ الموجودةِ في أيدي المُسلِمين، والمحفوظةِ من اللَّهِ ربِّ العالَمينَ عن كُلِّ زيادةٍ ونقصٍ، وحاشا الباقِرَ أن يزيدَ في القرآنِ ما ليس منه، وإنَّما هذا من افتراءِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ عليه.
وفي بابِ أنَّ الأئِمَّةَ هم الهُداةُ ذَكَر الكُلينيُّ أربعَ رواياتٍ، مع تحريفِ معنى الآيةِ السَّابعةِ من سورةِ الرَّعدِ:
إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد: 7] على أنَّ كَلِمةَ هادٍ تعني الإمامَ عليًّا، ثمَّ أئِمَّةَ الشِّيعةِ الجَعفَريَّةِ من بعدِه
[483] ((أصول الكافي)) (1/ 191، 192). .
وفي بابِ أنَّ الأئِمَّةَ نورُ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ عدَّةُ رواياتٍ؛ منها:
عن أبي الحَسَنِ
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف: 8] قال: (يريدون ليطفئوا ولايةَ أميرِ المُؤمِنين بأفواهِهم...
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف: 8] : واللَّهُ متِمُّ الإمامةِ، والإمامةُ هي النُّورُ، وذلك قولُه عزَّ وجَلَّ:
فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن: 8] قال: (النُّورُ هو الإمامُ)
[484] ((أصول الكافي)) (1/ 194 - 196). .
وفي بابِ أنَّ الأئِمَّةَ ولاةُ الأمرِ وهم النَّاسُ المحسودون الذين ذَكَرهم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ ذَكَر الكُلينيُّ خمسَ رواياتٍ؛ منها:
أنَّ الإمامَ الباقِرَ سُئلَ عن قولِ اللَّهِ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء: 59] فقال في جوابِه: (
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء: 51] ، يقولون لأئِمَّةِ الضَّلالةِ والدُّعاةِ إلى النَّارِ: هؤلاء أهدى من آلِ مُحمَّدٍ سبيلًا،
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء: 52] يعني الإمامةَ والخلافةَ
فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء: 53] نحن النَّاسُ الذين عنى اللَّهُ،
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء: 54] نحن النَّاسُ المحسودون على ما آتانا اللَّهُ من الإمامةِ دونَ خلقِ اللَّهِ أجمعين)
[485] ((أصول الكافي)) (1/ 205، 206). .
وفي بابِ عرضِ الأعمالِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأئِمَّةِ ذَكَر الكُلينيُّ سِتَّ رواياتٍ؛ منها:
عن عبدِ اللَّهِ بنِ أبانَ الزَّيَّاتِ، وكان مكينًا عِندَ الرِّضا، قال: (قُلتُ للرِّضا: ادعُ اللَّهَ لي ولأهلِ بيتي، فقال: أو لَستُ أفعلُ؟ واللَّهِ إنَّ أعمالَكم لتُعرضُ عليَّ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، قال: فاستعظَمتُ ذلك، فقال لي: أمَا تقرأُ كتابَ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ:
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105] ؟! قال: هو واللَّهِ عَليُّ بنُ أبي طالبٍ)
[486] ((أصول الكافي)) (1/ 219، 220). .
وفي بابِ ما أعطيَ الأئِمَّةُ من اسمِ اللَّهِ الأعظمِ ذَكَر الكُلينيُّ ثلاثَ رواياتٍ تفيدُ أنَّ الذي أحضَر عَرشَ بلقيسَ كان عِندَه حرفٌ واحدٌ من اسمِ اللَّهِ الأعظمِ، وهو ثلاثةٌ وسبعونَ حرفًا، على حينِ أنَّ أئِمَّةَ الجَعفَريَّةِ عِندَهم اثنان وسبعون، واستأثر اللَّهُ سُبحانَه بحرفٍ واحدٍ
[487] ((أصول الكافي)) (1/ 230). .
وفي بابِ ما عِندَ الأئِمَّةِ من آياتِ الأنبياءِ ذَكَر خمسَ رواياتٍ؛ منها:
عن أبي جَعفَرٍ قال: كانت عصا موسى لآدَمَ فصارت إلى شُعيبٍ، ثمَّ صارت إلى موسى بنِ عمرانَ، وإنَّها لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفًا، وهي خضراءُ كهيئتِها حينَ انتُزِعت من شَجرتِها، وإنَّها لتنطِقُ إذا استُنطِقَت، أُعدَّت لقائمِنا يصنعُ بها ما كان يصنعُ موسى، وإنَّها لتروعُ وتلقَفُ ما يأفِكون، وتصنَعُ ما تؤمَرُ به، إنَّها حيثُ أقبلَت تلقَفُ ما يأفِكون، يُفتَحُ لها شُعبتانِ: إحداهما في الأرضِ، والأخرى في السَّقفِ، وبَيْنَهما أربعون ذراعًا، تلقَفُ ما يأفِكون بلِسانِها.
وعن أبي عبدِ اللَّهِ قال: ألواحُ موسى عِندَنا، وعصا موسى عِندَنا، ونحن وَرَثةُ النَّبيِّين.
وعن أبي عبدِ اللَّهِ قال: قال أبو جَعفَرٍ: إنَّ القائمَ إذا قام بمكَّةَ وأراد أن يتوجَّهَ إلى الكوفةِ نادى مناديه: ألا لا يحمِلْ أحدٌ منكم طعامًا ولا شرابًا، ويحمِلُ حَجَرَ موسى بنِ عِمرانَ وهو وِقرُ بعيرٍ، فلا ينزِلُ مَنزِلًا إلَّا انبَعَث عينٌ منه، فمن كان جائعًا شبعَ، ومن كان ظامئًا رَويَ، فهو زادهم حتى ينزلوا النَّجفَ من ظهرِ الكوفةِ.
وعن أبي جَعفَرٍ قال: خرجَ أميرُ المُؤمِنين ذاتَ ليلةٍ بعدَ عتمةٍ وهو يقولُ: همهمةٌ همهمةٌ، وليلةٌ مُظلمةٌ، خرج عليكم الإمامُ وعليه قميصُ آدمَ، وفي يدِه خاتمُ سليمانَ، وعصا موسى
[488] ((أصول الكافي)) (1/ 231، 232). .
وفي بابِ ما عِندَ الأئِمَّةِ من سلاحِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومتاعِه ذَكَر الكُلينيُّ تِسعَ رواياتٍ تفيدُ أنَّ الأئِمَّةَ عِندَهم كُلُّ ما ترَك الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي بعضِ الرِّواياتِ أنَّ مِن هذا المتاعِ ما هو من الجنَّةِ، وفي روايةٍ عن أميِر المُؤمِنين أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّمه حمارُه قائلًا: بأبي أنت وأمي، إنَّ أبي حدَّثني عن أبيه عن جدِّه عن أبيه أنَّه كان مع نوحٍ في السَّفينةِ، فقام إليه نوحٌ فمسح على كفلِه، ثمَّ قال: يخرجُ من صُلبِ هذا الحمارِ حمارٌ يركبُه سيِّدُ النَّبيِّين وخاتمُهم، فالحمدُ للهِ الذي جعلني ذلك الحِمارَ
[489] ((أصول الكافي)) (1/ 232 - 237). .
وفي بابٍ فيه ذِكرُ الصَّحيفةِ والجفرِ والجامعةِ ومُصحفِ
فاطمةَ رضي اللَّهُ عنها ذَكَر الكُلينيُّ ثمانيَ رواياتٍ؛ منها:
عن أبي بصيرٍ قال: (دخلتُ على أبي عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه فقلتُ له: جُعِلتُ فِداك إنَّني أسألُك عن مسألةٍ، ههنا أحدٌ يسمعُ كلامي؟ قال: فرفع أبو عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه سترًا بينه وبين بيتٍ آخرَ فاطَّلع فيه ثمَّ قال: يا أبا مُحمَّدٍ سَلْ عمَّا بدا لك. قال: قلتُ: جُعِلتُ فِداك إنَّ شيعتَك يتحدَّثون أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّم عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه بابًا يُفتحُ له منه ألفُ بابٍ؟ فقال: يا أبا مُحمَّدٍ، علَّم رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه ألفَ بابٍ يُفتحُ من كُلِّ بابٍ ألفُ بابٍ. قال: قلتُ: هذا واللَّهِ العِلمُ. قال: فسَكَت ساعةً في الأرضِ، ثمَّ قال: إنَّه لعِلمٌ وما هو بذاك. ثَّم قال: يا أبا مُحمَّدٍ، وإنَّ عِندَنا الجامعةَ، وما يدريهم ما الجامعةُ؟ قال: قلتُ: جُعِلتُ فِداك وما الجامعةُ؟ قال: صحيفةٌ طولها سبعون ذِراعًا بذراعِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإملائِه مِن فلقِ فيه، وخَطِّ عليٍّ بيمينِه، فيها كُلُّ حلالٍ وحرامٍ، وكُلُّ شيءٍ يحتاجُ النَّاسُ إليه حتَّى الأرشُ في الخَدشِ، قلتُ: إنَّ هذا هو العلمُ، قال: إنَّه لعِلمٌ، وليس بذاك، ثمَّ سكت ساعةً، ثمَّ قال: وإنَّ عِندَنا الجفرَ، وما يدريهم ما الجفرُ؟ قال: قلتُ: وما الجفرُ؟ قال: وعاءٌ من أَدَمٍ، فيه عِلمُ النَّبيِّين والوصيِّين، وعِلمُ العُلَماءِ الذين مضَوا من بني إسرائيلَ، قال: قلتُ: إنَّ هذا هو العلمُ، قال: إنَّه لعِلمٌ وليس بذاك. ثمَّ سكت ساعةً ثمَّ قال: وإنَّ عِندَنا لمصحَفُ
فاطمةَ عليها السَّلامُ، وما يدريهم ما مصحفُ
فاطمةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها؟ قال: قلتُ: وما مصحفُ
فاطمةَ عليها السَّلامُ؟ قال: مصحفٌ فيه مِثلُ قرآنِكم هذا ثلاثَ مرَّاتٍ، واللَّهِ ما فيه من قرآنِكم حرفٌ واحدٌ، قال: قلتُ: هذا واللَّهِ العلمُ، قال: إنَّه لعِلمٌ وما هو بذاك. ثمَّ سكت ساعةً ثمَّ قال: إنَّ عِندَنا علمَ ما كان، وعِلمَ ما هو كائنٌ إلى أن تقومَ السَّاعةُ، قال: قلتُ: جُعِلتُ فِداك هذا واللَّهِ العلمُ. قال: إنَّه لعِلمٌ وليس بذاك. قال: قلتُ: جُعِلتُ فداك فأيُّ شيءٍ العلمُ؟ قال: ما يحدُثُ باللَّيلِ والنَّهارِ، الأمرُ بعدَ الأمرِ، والشَّيءُ بعدَ الشَّيءِ إلى يومِ القيامةِ).
وعن حمَّادِ بنِ عُثمانَ قال: سمِعتُ أبا عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يقولِ: (تظهرُ الزَّنادقةُ في سنةِ ثمانٍ وعشرين ومائةٍ، ذلك أنَّني نظرتُ في مصحفِ
فاطمةَ عليها السَّلامُ، قال: قلتُ: وما مصحفُ
فاطمةَ؟ قال: إنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا قبض نبيَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دخل على
فاطمةَ عليها السَّلامُ من وفاتِه من الحزنِ ما لا يعلمُه إلَّا اللَّهُ عزَّ وجَلَّ، فأرسل اللَّهُ إليها ملَكًا يُسلِّي غمَّها ويحدِّثُها، فشكَت ذلك إلى أميرِ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه، فقال: إذ أحسَستِ بذلك وسمِعتِ الصَّوتَ، فقولي لي، فأعلمَتْه بذلك، فجعَلَ أميرُ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنه يكتبُ كلَّما سمِع حتَّى أثبتَ من ذلك مصحفًا. قال: ثمَّ قال: أمَا إنَّه ليس فيه شيءٌ من الحلالِ والحرامِ، ولكِنْ فيه علمُ ما يكونُ)!
وعن الحَسَنِ بنِ أبي العلاءِ قال: سمعتُ أبا عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يقولُ: (إنَّ عِندَي الجفرَ الأبيضَ: قلتُ: فأيُّ شيءٍ فيه؟ قال: زَبورُ داودَ، وتوراةُ موسى، وإنجيلُ عيسى، ومصحفُ إبراهيمَ، والحلالُ والحرامَّ، ومُصحفُ
فاطمةَ، ما أزعُمُ أنَّ فيه قرآنًا، وفيه ما يحتاجُ النَّاسُ إلينا ولا نحتاجُ إلى أحدٍ، حتَّى فيه الجلدةُ، ونِصفُ الجلدةِ، وربعُ الجلدةِ، وأرشُ الخدشِ. وعندي الجَفرُ الأحمرُ، قال: قلتُ: وأيُّ شيءٍ في الجفرِ الأحمرِ؟ قال: السِّلاحُ، وبذلك إنما يفتحُ للدَّمِ، يفتحُه صاحبُ السَّيفِ للقتلِ. فقال له عبدُ اللَّهِ بنُ أبي يعفورٍ: أصلحك اللَّهُ، أيعرفُ هذا بنو الحَسَنِ؟ فقال: إي واللَّهِ كما يعرفون اللَّيلَ أنَّه ليلٌ، والنَّهارَ أنَّه نهارٌ، ولكِنَّهم يحمِلُهم الحسدُ على الجُحودِ والإنكارِ، ولو طلبوا الحقَّ بالحقِّ لكان خيرًا لهم).
وعن سُليمانَ بنِ خالدٍ قال: قال أبو عبدِ اللَّهِ: (إنَّ في الجفرِ الذين يذكُرُونه لما يسوؤهم؛ لأنَّهم لا يقولون الحقَّ والحقُّ فيه، فليُخرجوا قضايا عليٍّ وفرائضَه إن كانوا صادِقين، وسَلوهم عن الخالاتِ والعمَّاتِ، وليُخرجوا مصحفَ
فاطمةَ عليها السَّلامُ، فإنَّ فيه وصيَّةَ
فاطمةَ عليها السَّلامُ، ومعه سلاحُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّ اللَّه عزَّ وجَلَّ يقولُ: «فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
[490] صوابُ الآيةِ هكذا: ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف: 4] . . وعن أبي عبدُ اللَّهِ أنَّه قال عن كتابِ
فاطمةَ: «ليس من مَلِكٍ يملِكُ الأرضَ إلَّا وهو مكتوبٌ فيه باسمِه واسمِ أبيه، وما وجدتُ لولَدِ الحَسَنِ فيه شيئًا»)
[491] ((أصول الكافي)) (1/ 238 - 242). .
وفي بابِ ذِكْرِ الأرواحِ التي في الأئِمَّةِ ذَكَر الكُلينيُّ ثلاثَ رواياتٍ تفيدُ أنَّ هذه الأرواحَ خمسةٌ: روحُ الإيمانِ، وروحُ القوَّةِ، وروحُ الشَّهوةِ، وروحُ الحياةِ، والخامسةُ روحُ القُدسِ، وهي خاصَّةٌ بالأنبياءِ عليهم السَّلامُ، فإذا قُبض النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم انتقلَ روحُ القدسِ فصار إلى الإمامِ، وروحُ القدسِ لا ينامُ، ولا يغفُلُ، ولا يلهو، ولا يزهو، والأربعةُ الأرواحِ تنامُ وتغفلُ وتزهو وتلهو
[492] ((أصول الكافي)) (1/ 271، 272). .
وفي بابِ الرُّوحِ التي يسدِّدُ اللَّهُ بها الأئِمَّةَ ذَكَر الكُلينيُّ سِتَّ رواياتٍ؛ منها أنَّ الإمامَ الصَّادِقَ فسَّر قولَ اللَّهِ تعالى:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52] فقال: (خَلقٌ مِن خلقِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ أعظمُ من جبرائيلَ وميكائيلَ، كان مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخبرُه ويسدِّدُه، وهو مع الأئِمَّةِ مِن بعدِه)
[493] ((أصول الكافي)) (1/ 273، 274). .
وفي بابِ أنَّ الأئِمَّةَ لم يفعلوا شيئًا ولا يفعلون إلَّا بعهدٍ من اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، وأمرٍ منه لا يتجاوزونه ذَكَر أربعَ رواياتٍ؛ منها
[494] ((أصول الكافي)) (1/ 279 - 284). :
(أنَّ الحُسَين قرأ صحيفتَه التي أعطيها، وفسَّر له ما يأتي بنعيٍ، وبقيَ فيها أشياءُ لم تُقضَ، فخرج للقتالِ... وكانت تلك الأمورُ التي بقيت أنَّ الملائكةَ سألت اللَّهَ تعالى في نصرتِه فأذنَ لها، ومكثَت تستعدُّ للقتالِ وتتأهَّبُ لذلك حتَّى قُتلَ، فنزلت وقد انقضَت مدَّتُه وقُتل، فقالت الملائكةُ: ياربِّ أذنتَ لنا في الانحدارِ وأذنتَ لنا في نصرتِه، فانحدرْنا وقد قبَضْتَه، فأوحى اللَّهُ إليهم: أنِ الزَموا قبرَه حتَّى تروه قد خرج فانصُروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرتِه، فإنَّكم قد خُصِّصتُم بنصرتِه وبالبكاءِ عليه، فبكت الملائكةُ تعزيًا وحزنًا على ما فاتهم من نصرتِه).
وفي بابٍ في الغيبةِ ذَكَر الكُلينيُّ فيه إحدى وثلاثين روايةً
[495] ((أصول الكافي)) (1/ 335 - 343). ، يستفادُ منها أنَّ الإمامَ الثَّاني عشَرَ يشهدُ المواسمَ، ويرى النَّاسَ ولا يرونه، وأنَّ له غيبتينِ صغرى وكبرى، وفي بعضِ الرِّواياتِ تحريفٌ لمعاني آياتٍ من القرآنِ الكريمِ، مثلُ تفسيرِ قولِ اللَّهِ تعالى:
لَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير: 15 - 16] بأنَّ المرادَ: (إمامٌ يخنسُ سنةَ ستِّين ومائتينِ)
[496] ((أصول الكافي)) (1/ 341). .
وفي بابِ ما يُفصَلُ به بَيْنَ دعوى المحِقِّ والمبطلِ في أمرِ الإمامةِ ذَكَرَ تسعَ عشرةَ روايةً؛ منها
[497] ((أصول الكافي)) (1/ 343 - 367). :
عن أبي جَعفَرٍ أنَّ
مُحمَّدَ بنَ عَليٍّ المسمَّى ب
ابنِ الحنفيَّةِ طلبَ من
عَليِّ بنِ الحُسَينِ بعدَ استشهادِ أبيه الحُسَينِ ألَّا ينازعَه في الإمامةِ؛ لأنَّه أحقُّ بها، ولكِنَّ عليًّا خوَّف عمَّه من عقابِ اللَّهِ تعالى، وطلبَ الاحتكامَ للحَجَرِ الأسودِ، فسأل
ابنُ الحنفيَّةِ الحجَرَ فلم يجِبْه، فقال
عَليُّ بنُ الحُسَينِ: لو كنتَ إمامًا لأجابك، ثمَّ سألَ عليٌّ الحجَرَ فتحرَّك حتَّى كاد أن يزولَ عن موضِعِه، ثمَّ أنطقه اللَّهُ عزَّ وجَلَّ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، وشَهِدَ بأنَّ الوصيَّةَ لعليٍّ
[498] ((أصول الكافي)) (1/ 348). !
وفي روايةٍ عن
موسى بنِ جَعفَرٍ أنَّه أثبتَ إمامتَه لمن طلبَ إثباتَها بأنْ أمرَ شجرةً أن تأتيَه، فجاءت تخدُّ الأرضَ خدًّا حتَّى وقفت بَيْنَ يديه، ثمَّ أشار إليها فرجَعَت
[499] ((أصول الكافي)) (1/ 353). .
وعن مُحمَّدِ بنِ عَليٍّ الرِّضا: أنَّ عصًا في يدِه نطقَت وقالت: إنَّ مولاي إمامُ هذا الزَّمانِ، وهو الحُجَّةُ
[500] ((أصول الكافي)) (1/ 353). .
وفي بابِ كراهيَةِ التَّوقيتِ ذَكَر سبعَ رواياتٍ؛ منها: (إذا حَدَّثَناكم الحديثَ فجاء على ما حَدَّثَناكم به فقولوا: صدَقَ اللَّهُ، وإذا حَدَّثَناكم الحديثَ فجاء على خلافِ ما حَدَّثَناكم به فقولوا: صدَقَ اللَّهُ، تؤجَروا مرَّتينِ)
[501] ((أصول الكافي)) (1/ 368، 369). .
وفي بابِ من ادَّعى الإمامةَ وليس لها بأهلٍ، ومَن جحَد الأئِمَّةَ أو بعضَهم، ومن أثبتَ الإمامةَ لمن ليس لها بأهلٍ ذَكَر اثنتي عشرةَ روايةً، وهذه الرِّواياتُ يستفادُ منها أنَّ غيرَ أئِمَّةِ الجَعفَريةِ الرَّافِضةِ كُفَّارٌ، ك
أبي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، حتَّى وإن كانوا فاطميِّين عَلويِّين، كأئِمَّةِ الزَّيديَّةِ، ومَن تبعَهم كان مشركًا باللَّهِ، وأنَّ القرآنَ له ظهرٌ وبطنٌ، فجميعُ ما حرَّم اللَّهُ في القرآنِ هو الظَّاهرُ، والباطنُ من ذلك أئِمَّةُ الجورِ، وجميعُ ما أحَلَّ اللَّهُ تعالى في الكتابِ هو الظَّاهرُ، والباطنُ من ذلك أئِمَّةُ الحقِّ
[502] ((أصول الكافي)) (1/ 372 - 374). .
وفي بابِ مواليدِ الأئِمَّةِ ذَكَر ثمانيَ رواياتٍ؛ منها:
عن أبي عبدِ اللَّهِ: (إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إذا أحَبَّ أن يخلُقَ الإمامَ أمرَ ملَكًا فأخذ شَربةً من ماءٍ تحتَ العرشِ فيسقيها أباه، فمن ذلك يُخَلقُ الإمامُ، فيمكثُ أربعين يومًا وليلةً في بطنِ أمِّه لا يسمعُ الصَّوتَ، ثمَّ يسمعُ بعدَ ذلك الكلامَ، فإذا وُلد بُعث ذلك الملَكُ فيكتبُ بَيْنَ عينيه:
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: 115] ، فإذا مضى الإمامُ الذي كان قبلَه رُفع لهذا منارٌ من نورٍ ينظُرُ به إلى أعمالِ الخلائقِ، فبهذا يحتجُّ اللَّهُ على خلقِه)
[503] ((أصول الكافي)) (1/ 387). .
وفي بابِ خلقِ أبدانِ الأئِمَّةِ وأرواحِهم وقلوبِهم ذَكَر أربعَ رواياتٍ؛ منها:
عن أبي جَعفَرٍ قال: (إنَّ اللَّهَ خلقَنا من أعلى عليِّين، وخلَق قلوبَ شيعتِنا ممَّا خُلِقنا، وخلَق أبدانَهم من دونِ ذلك، فقلوبُهم تهوى إلينا؛ لأنَّها خُلِقت مما خُلِقنا، ثمَّ تلا هذه الآيةَ:
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون [المطففين: 18-21] ، وخلَق عدوَّنا من سجِّينٍ، وخلَق قلوبَ شيعتِهم ممَّا خلقَهم منه، وأبدانَهم من دونِ ذلك، فقلوبُهم تهوى إليهم؛ لأنَّها خُلِقت ممَّا خُلقوا منه، ثمَّ تلا هذه الآيةَ
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ [المطففين: 7-9] )
[504] ((أصول الكافي)) (1/ 389، 390). .
وفي بابِ أنَّ الجنَّ تأتيهم فيسألونَهم عن معالمِ دينِهم ذَكَر سبعَ رواياتٍ تفيدُ معنى البابِ
[505] ((أصول الكافي)) (1/ 394 - 397). ، وأنَّ بعضَ النَّاسِ رأوا الجِنَّ يخرجونَ من عِندِ الأئِمَّةِ، وفي روايةٍ: إنَّ ثعبانًا جاء وأميرُ المُؤمِنين يخطبُ، فأمر بعَدَمِ قتلِه، وصَعدَ الثُّعبانُ إليه، فقال أميرُ المُؤمِنين: من أنت؟ فقال الثُّعبانُ: عمرُو بنُ عُثمانَ خليفتُك على الجنِّ، وإنَّ أبي مات، وأوصاني أن آتيَك فأستطلعَ رأيَك!
وعقد الكُلينيُّ بابًا أسماه باب نادرٍ، روى فيه عن جابرٍ عن أبي جَعفَرٍ قال: قلتُ له: لم سمِّي أميرَ المُؤمِنين؟ قال: اللَّهُ سمَّاه، وهكذا أنزل في كتابِه:
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172] ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولي، وأنَّ عليًّا أميرُ المُؤمِنين)
[506] ((أصول الكافي)) (1/ 411، 412). . فزاد في آخرِ الآيةِ ما ليس منها!
وفي بابِ نُكتٍ ونُتَفٍ من التَّنزيلِ في الولايةِ ذَكَر الكُلينيُّ اثنتين وتسعين روايةً
[507] ((أصول الكافي)) (1/ 412 - 436). ، فيها تحريفُ معاني الآياتِ بما يؤيِّدُ مَذهَبَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، ومن رواياتِ البابِ، وهي روايةٌ طويلةٌ: عن مُحمَّدِ بنِ الفُضيلِ قال: سألتُ الحَسَنَ العسكريَّ عن قولِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ:
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: 8] قال: يُريدون ليُطفِئوا ولايةَ أميرِ المُؤمِنين بأفواهِهم. قلتُ:
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ قال: واللَّهُ متِمُّ الإمامةِ؛ لقولِه عزَّ وجَلَّ:
فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا، فالنَّورُ هو الإمامُ. قلتُ:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ كُلِّهِ قال: هو الذي أمَر رسولَه بالولايةُ لوصيِّه، والولايةُ هي دينُ الحقِّ، قلتُ:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قال: يُظهرُ على جميعِ الأديانِ عِندَ قيامِ القائمِ؛ قال اللَّهُ:
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولايةِ القائمِ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ بولايةِ عليٍّ، قلتُ: هذا تنزيلٌ؟ قال: نعم، أمَّا هذا الحرفُ فتنزيلٌ، وأمَّا غيرُه فتأويلٌ. قلتُ:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قال: إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى سمَّى مَن لم يتَّبعْ رسولَه في ولايةِ وصيِّه مُنافِقين، وجعَل من جحَد وصيَّةَ إمامتِه كمن جحَد مُحمَّدًا، وأنزل بذلك قرآنًا: يا مُحمَّدُ
إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ (بولايةِ وصيِّك)
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ [المُنافِقون: 1] (بولايةِ عليٍّ لكافرون)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ [المجادلة: 16] والسَّبيلُ هو الوصيُّ
إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
ذَلِكَ بِأَنَّهمْ آمَنُوا برسالتِك
ثُمَّ كَفَرُوا بولايةِ وصيِّك
فَطَبَعَ (اللهُ) على قلوبِهم فهم لا يفقهونَ * وإذا قيل لهم تعالَوا يستغفرْ لكُمْ رَسولُ اللَّهِ قال: وإذا قيل لهم ارجِعوا إلى ولايةِ عليٍّ يستغفرْ لكم النَّبيُّ من ذنوبِكم
لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ قال اللَّه:
وَرَأَيتَهُمْ يَصُدُّونَ: (عن ولايةِ عليٍّ)،
وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عليه. ثمَّ عطف القولَ من اللَّهِ بمعرفتِه بهم فقال:
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المُنافِقون: 6] يقول: الظَّالمين لوصيِّك. قلتُ:
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الملك: 22] قال: إنَّ اللَّهَ ضرَب مَثَلَ من حاد عن ولايةِ عليٍّ كمن يمشي على وجهِه لا يهتدي لأمرِه، وجَعَل من تبِعَه سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ، والصِّراطُ المستقيمُ أميرُ المُؤمِنين. قال: قلتُ:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: 40] قال: يعني جبرئيلَ عن اللَّهِ في ولايةِ عليٍّ، قال: قلتُ:
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ [الحاقة: 41] قال: قالوا: إنَّ مُحمَّدًا كذَّابٌ على ربِّه، وما أمَره اللَّه بهذا في عليٍّ، فأنزل اللَّهُ بذلك قرآنًا فقال: (إنَّ ولايةَ عليٍّ) (تنزيلٌ من ربِّ العالمينَ ولو تقَوَّل علينا (مُحمَّدٌ) بعضَ الأقاويلِ لأخذنا منه باليمينِ ثمَّ لقطَعْنا منه الوتينَ)، ثمَّ عطفَ القولَ فقال: إنَّ (ولايةَ عليٍّ)
لَتَذَكَرةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [الحاقة: 48] (العالِمين)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ [الحاقة: 49] وإنَّ (عليًّا) (لحسرةٌ على الكافرينَ)، وإنَّ (ولايتَه) (لحقُّ اليقينِ. فسَبِّحْ (يا مُحمَّدُ) باسمِ ربِّك العظيمِ)، يقولُ: اشكُرْ ربَّك العظيمَ الذي أعطاك هذا الفضلَ.
قلتُ: قولُه:
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ [الجن: 13] قال: الهدى الولايةُ، آمنَّا بمولانا، فمَن آمنَ بولايةِ مولاه
فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا قُلتُ: تنزيلٌ؟ قال: لا، تأويلٌ. قُلتُ: قَولُه:
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن: 21] ، قال: إنَّ رسولَ اللَّهِ دعا النَّاسَ إلى ولايةِ عليٍّ، فاجتمعت إليه قريشٌ فقالوا: يا مُحمَّدُ، اعفنا من هذا، فقال لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هذا إلى اللَّهِ ليس إليَّ، فاتَّهموه، وخرجوا من عِندَه، فأنزل اللَّهُ
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ (إن عصيتُه) أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ (في عليٍّ)، قُلتُ: هذا تنزيلٌ؟ قال: نعم، ثمَّ قال توكيدًا: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (في ولايةِ عليٍّ) فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
... [508] ((أصول الكافي)) (1/ 435). !وفي بابٍ في معرفتِهم أولياءَهم والتَّفويضِ إليهم ذَكَر الكُلينيُّ ثلاثَ رواياتٍ؛ منها
[509] ((أصول الكافي)) (1/ 438، 439). :
عن أبي عبدِ اللَّهِ قال: إنَّ رجلًا جاء إلى أميرِ المُؤمِنين وقال له: إنِّي أحبُّك وأتولَّاك، فكذَّبه. فكرَّر ثلاثًا، فقال له: كذَبتَ، ما أنت كما قُلتَ، إنَّ اللَّهَ خلق الأرواحَ قبل الأبدانِ بألفَيْ عامٍ، ثمَّ عرض علينا المحِبَ لنا، فواللَّهِ ما رأيتُ روحَك فيمن عُرِض، فأينَ كنتُ؟ فسكَتَ الرَّجُلُ عِندَ ذلك ولم يراجِعْه. وفي روايةٍ أخرى قال أبو عبدِ اللَّهِ: كان في النَّارِ!
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ سليمانَ عن أبي عبدِ اللَّهِ قال: سألتُه عن الإمامِ فوَّض اللَّهُ إليه كما فوَّض إلى سليمانَ بنِ داودَ؟ فقال: نعم. وذلك أنَّ رجلًا سأله عن مسألةٍ فأجابه فيها، وسأله آخرُ عن تلك المسألةِ فأجابه بغيرِ جوابِ الأوَّلِ، ثمَّ سأله آخرُ فأجابه بغيرِ جوابِ الأوَّلينِ، ثمَّ قال:
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ (أعطِ) بِغَيْرِ حِسَابٍ، وهكذا هي في قراءةِ عليٍّ. والقراءةُ المعروفةُ في المصاحِفِ:
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ص: 39] .
وفي بابِ صلةِ الإمامِ ذَكَر سبعَ رواياتٍ
[510] ((أصول الكافي)) (1/ 437، 438). ؛ منها:
عن أبي عبدِ اللَّهِ قال: (ما من شيءٍ أحَبُّ إلى اللَّهِ من إخراجِ الدَّراهمِ إلى الإمامِ، وإنَّ اللَّهَ ليجعلُ له الدِّرهمَ في الجنَّةِ مثلَ جبلِ أحُدِ، ثمَّ قال: إنَّ اللَّهَ يقولُ في كتابِه:
مَّنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً. قال: هو واللَّهِ في صلةِ الإمامِ خاصَّةً. وعنه: درهمٌ يوصَلُ به الإمامُ أفضلُ من ألفَي درهمٍ فيما سواه من وجوهِ البِرِّ).
ثانيًا: الجزءُ الثَّاني من (أصولِ الكافي)هذا الجزءُ يعتبرُ امتدادًا للجزءِ الأوَّلِ، وفيه ضلالاتٌ كثيرةٌ؛ منها:
عن أبي جَعفَرٍ قال: (إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى حيثُ خلَق ماءً عذبًا وماءً أجاجًا فامتزج الماءانِ، فأخذ طينًا من أديمِ الأرضِ فعركَه عركًا شديدًا، فقال لأصحابِ اليمينِ وهم كالذَّرِّ يدبُّون: إلى الجنَّةِ بسلامٍ، وقال لأصحابِ الشِّمالِ: إلى النَّارِ ولا أبالي، ثمَّ قال: ألستُ بربِّكم؟ قالوا: بلى شَهِدنا، أن تقولوا يومَ القيامةِ إنَّا كنَّا عن هذا غافلين، ثمَّ أخذ الميثاقَ على النَّبيِّين، فقال: ألستُ بربِّكم وأنَّ هذا مُحمَّدٌ رسولي، وأنَّ هذا عليٌّ أميرُ المُؤمِنين؟ قالوا: بلى، فثبَّت لهم النُّبوَّةَ، وأخذ الميثاقَ على أولي العزمِ أنَّني ربُّكم، ومُحمَّدٌ رسولي، وعليٌّ أميرُ المُؤمِنين، وأوصياؤُه من بعدِه ولاةُ أمري وخزَّانُ عِلمي عليهم السَّلامُ، وأنَّ المَهديَّ أنتصرُ به لديني، وأظهِرُ به دولتي، وأنتقِمُ به من أعدائي، وأُعبَدُ به طوعًا وكَرهًا. قالوا: أقرَرنا يا ربِّ وشَهِدنا. ولم يجحَدْ آدمُ ولم يُقِرَّ، فثبَتَت العزيمةُ لهؤلاء الخمسةِ في المَهديِّ، ولم يكُنْ لآدمَ عزمٌ على الإقرارِ به، وهو قولُه عزَّ وجَلَّ:
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طـه: 115] قال: إنَّما هو: فتَرَك
[511] جاء في الحاشيةِ: أي: معنى النِّسيانِ هنا التَّركُ؛ لأنَّ النِّسيانَ غيرُ مجوَّزٍ على الأنبياءِ عليهم السَّلامُ. أو كان في قراءتِهم عليهم السَّلامُ: "فتَرَك" مكان: فنَسِيَ، ولعَلَّ السِّرَّ في عدمِ عَزمِ آدمَ على الإقرارِ بالمهديِّ استبعادُه أن يكونَ لهذا النَّوعِ الإنسانيِّ اتِّفاقٌ على أمرٍ واحدٍ. . ثمَّ أمرَ نارًا فأُجِّجَت، فقال لأصحابِ الشِّمالِ: ادخُلوها، فهابوها. وقال لأصحابِ اليمينِ: ادخُلوها فدخَلوها، فكانت عليهم بردًا وسلامًا. فقال أصحابُ الشِّمالِ: يا ربِّ أقِلْنا، فقال؛ قد أقَلْتُكم، اذهَبوا فادخلوها فهابوها، ثمَّ ثبتت الطَّاعةُ والولايةُ والمعصيةُ)
[512] ((أصول الكافي)) (2/ 8). .
وعن أبي جَعفَرٍ قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجَلَّ خلَق الخلقَ فخلَق مَن أحَبَّ ممَّا أحَبَّ، وكان ما أحَبَّ أنْ خَلَقَه من طينةِ الجنَّةِ، وخلَق مَن أبغَضَ ممَّا أبغضَ، وكان ما أبغَضَ أن خلَقَه من طينةِ النَّارِ، ثمَّ بعثَهم في الظِّلالِ، فقُلتُ: وأيُّ شيءٍ الظِّلالُ؟ فقال: ألم تَرَ إلى ظِلِّك في الشَّمسِ شيئًا وليس بشيءٍ؟ ثمَّ بعَث منهم النَّبيِّين، فدعَّوهم إلى الإقرارِ باللَّهِ عزَّ وجَلَّ:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] ، ثمَّ دعَوهم إلى الإقرارِ بالنَّبيِّين، فأقَرَّ بعضُهم وأنكَر بعضٌ. ثمَّ دعَوهم إلى ولايتِنا، فأقرَّ بها واللَّهِ مَن أحَبَّ، وأنكَر من أبغَضَ، وهو قَولُه:
فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ [يونس: 74] . ثمَّ قال أبو جَعفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: كان التَّكذيبُ ثَمَّ)
[513] ((أصول الكافي)) (2/ 10). .
وعن أبي جَعفَرٍ الباقِرِ قال: (بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: على الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ والولايةِ، ولم ينادِ بشيءٍ كما نوديَ بالولايةِ)
[514] ((أصول الكافي)) (2/ 18). .
وفي روايةٍ أخرى قال: (فأخَذ النَّاسُ بأربعٍ، وتركوا هذه، يعني الولايةَ)
[515] ((أصول الكافي)) (2/ 18). .
وعن أبي جَعفَرٍ قال: (بُني الإسلامُ على خمسةِ أشياءَ: على الصَّلاةِ والزَّكاةِ والحجِّ والصَّومِ والولايةِ. قال زُرارةُ: قُلتُ: وأيُّ شيءٍ من ذلك أفضلُ؟ فقال: الولايةُ أفضلُ؛ لأنَّها مفتاحُهنَّ، والوالي هو الدَّليلُ عليهنَّ. أمَا لو أنَّ رجلًا قام ليَله، وصام نهارَه، وتصدَّق بجميعِ مالِه، وحجَّ جميعَ دهرِه، ولم يعرِفْ ولايةَ وليِّ اللَّهِ فيواليَه، ويكونَ جميعُ أعمالِه بدلالتِه إليه؛ ما كان له على اللَّهِ جلَّ وعزَّ حقٌّ في ثوابِه، ولا كان من أهلِ الإيمانِ)
[516] ((أصول الكافي)) (2/ 18، 19). .
ونقل الكُلينيُّ عدَّةَ رواياتٍ عن الإمامِ أبي جَعفَرٍ الصَّادقِ؛ منها قَولُه:
(إنَّ تسعةَ أعشارِ الدِّينِ في التَّقيَّةِ، ولا دينَ لمن لا تقيَّةَ له).
(التَّقيَّةُ من دينِ اللَّهِ).
(واللَّهِ ما عُبدَ اللَّهُ بشيءٍ أحبَّ إليه من الخَبءِ. قُلتُ: وما الخبءُ؟ قال: التَّقيَّةُ).
(التَّقيَّةُ من ديني ودينِ آبائي، ولا إيمانَ لمن لا تقيَّةَ له)
[517] ((أصول الكافي)) (2/ 217-219). .
وفي كتابِ فضلِ القرآنِ، روى الكُلينيُّ عن سعدٍ الخفَّافِ قال: (قُلتُ: جُعلتُ فداك يا أبا جَعفَرٍ، وهل يتكلَّمُ القرآنُ؟ فتبسَّم ثمَّ قال: رحم اللَّهُ الضُّعفاءَ من شيعتِنا، إنَّهم أهلُ تسليمٍ، ثمَّ قال: يا سعدُ، والصَّلاةُ تتكلَّمُ، ولها صورةٌ وخلقٌ تأمرُ وتنهى. قال سعدٌ: فتغيَّر لذلك لوني، وقُلتُ: هذا شيءٌ لا أستطيعُ أنا أتكلَّمَ به في النَّاسِ. فقال أبو جَعفَرٍ: وهل النَّاسُ إلَّا شيعُتنا؟ فمَن لم يعرفِ الصَّلاةَ فقد أنكر حقَّنا. ثمَّ قال: يا سعدُ، أُسمعُك كلامَ القرآنِ؟ قال سعدٌ: فقُلتُ: بلى، صلَّى اللَّهُ عليك، فقال:
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45] ، فالنَّهيُ كلامٌ، والفحشاءُ والمُنكَرُ رجالٌ، ونحن ذِكْرُ اللَّهِ، ونحن أكبرُ)
[518] ((أصول الكافي)) (2/ 596 - 598). .
وعن أبي عبدِ اللَّهِ قال: (لا واللَّهِ لا يرجِعُ الأمرُ والخلافةُ إلى آل
أبي بَكرٍ وعُمَرَ أبدًا، ولا إلى بني أميَّةَ أبدًا، ولا في وَلَدِ
طلحةَ و
الزُّبيرِ أبدًا، وذلك أنَّهم نبذوا القرآنَ وأبطلوا السُّننَ، وعطَّلوا الأحكامَ، وما عَدَلَ أحدٌ عن القرآنِ إلَّا إلى النَّارِ)
[519] ((أصول الكافي)) (2/ 600، 601). .
وعن سالمِ بنِ سلمةَ قال: قرأ رجلٌ على أبي عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه -وأنا أستمعُ- حروفًا من القرآنِ ليس على ما يقرؤها النَّاسُ، فقال أبو عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: كُفَّ عن هذه القراءةِ، اقرأ كما يقرأُ النَّاسُ حتى يقومَ القائمُ، فإذا قام القائمُ رَضِيَ اللَّهُ عنه قرأ كتابَ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ على حَدِّه، وأخرج المصحَفَ الذي كتبَه عَليٌّ رَضيَ اللَّهُ عنه، وقال: أخرجَه عَليٌّ رَضيَ اللَّهُ عنه إلى النَّاسِ حينَ فرغ منه وكتَبه فقال لهم: هذا كتابُ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ كما أنزله اللَّهُ على مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه، وقد جمَعْتُه من اللَّوحينِ، فقالوا: هو ذا عِندَنا مُصحَفٌ جامعٌ فيه القرآنُ، لا حاجةَ لنا فيه، فقال: أمَا واللَّهِ ما ترونَه بعد يومِكم هذا أبدًا، وإنما كان عليَّ أن أخبِرَكم حينَ جمعتُه لتَقرَؤُوه)
[520] ((أصول الكافي)) (2/ 633). .
وعن
أبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادقِ أنَّه قال: (إنَّ القرآنَ الذي جاء به جبرئيلُ رَضِيَ اللَّهُ عنه إلى مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وآلِه سبعةَ عَشَرَ آلفَ آيةٍ)
[521] ((أصول الكافي)) (2/ 634)، والمعروفُ أنَّ القرآنَ الكريمَ (6236) آيةً! .
ثالثًا: روضةُ الكافيفي كتابِ الرَّوضةِ من الكافي كثيرٌ من الرِّواياتِ المكذوبةِ التي فيها تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ؛ ففي روايةٍ أنَّ السَّائِلَ قال للإمامِ: جُعِلتُ فداك، إنَّا نقرؤها هكذا، فأجاب الإمامُ قائلًا: (هكذا واللَّهِ نزل به جبرئيلُ على مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّه فيما حُرِّف من كتُبِ اللَّهِ)
[522] ((روضة الكافي)) (8/ 50). .
وفي روايةٍ أخرى: (هكذا واللَّهِ نزل بها جبرئيلُ على مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهكذا واللَّهِ مُثبَتٌ في مصحَفِ
فاطمةَ عليها السَّلامُ)
[523] ((روضة الكافي)) (8/ 58). .
وفي روايةٍ أنَّه قال: (لا تلتَمِسْ دينَ من ليس من شيعتِك، ولا تُحبَّنَّ دينَهم؛ فإنَّهم الخائنون الذين خانوا اللَّهَ ورسولَه، وخانوا أماناتِهم، وتدري ما خانوا أماناتِهم؟ ائْتُمِنوا على كتابِ اللَّهِ فحَرَّفوه، وبدَّلوه، ودُلُّوا على ولاةِ الأمرِ منهم فانصرفوا عنهم، فأذاقهم اللَّهُ لباسَ الجوعِ والخوفِ بما كانوا يصنعونَ)
[524] ((روضة الكافي)) (8/ 124، 125). .
وعن أحدِ الأئِمَّةِ أنَّه قال: (ما من آيةٍ نزلت تقودُ إلى الجنَّةِ، وتذْكُرُ أهلَها بخيرٍ، إلَّا وهي فينا وفي شيعِتنا، وما من آيةٍ نزلت تذْكُرُ أهلَها بشرٍّ، وتسوقُ إلى النَّارِ إلَّا وهي في عدوِّنا ومن خالَفَنا، ليس على مِلَّةِ إبراهيمَ إلَّا نحن وشيعتُنا، وسائرُ النَّاسِ من ذلك براءٌ)
[525] ((روضة الكافي)) (8/ 36). .
وعن
أبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ في قولِه تعالى:
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ [الإسراء: 4] قال: (قتْلُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ وطعْنُ الحَسَنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء: 4] قال: قتْلُ الحُسَينِ
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا [الإسراء: 5] : فإذا جاء نصرُ دمِ الحُسَين
بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ قومٌ يبعثهم اللَّهُ قبلَ خروجِ القائمِ، فلا يدَعون وترًا لآلِ مُحمَّدٍ إلَّا قَتَلوه
وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا [الإسراء: 5] خروجُ القائمِ،
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء: 6] خروجُ الحُسَينِ في سبعينَ من أصحابِه، عليهم البيضُ المُذهَبُ، لكلِّ بيضةٍ وجهانِ، المؤدُّون إلى النَّاسِ أنَّ الحُسَينَ قد خرج حتى لا يشُكَّ المُؤمِنون فيه، وأنَّه ليس بدجَّالٍ ولا شيطانٍ، والحُجَّةُ القائمُ بَيْنَ أظهُرِهم، فإذا استقرَّت المعرفةُ في قلوبِ المُؤمِنين أنَّه الحُسَينُ جاء الحجَّةَ الموتُ، فيكونُ الذي يُغسِّلُه ويكَفِّنُه ويحَنِّطُه ويلحدُه في حضرتِه الحُسَينَ بنَ عَليٍّ، ولا يلي الوَصيَّ إلَّا الوصيُّ)
[526] ((روضة الكافي)) (8/ 206). .
وفي الكتابِ عدَّةُ خُطَبٍ منسوبةٍ لعَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنه؛ منها:
خُطبةُ الوسيلةِ، فيها غُلُوٌّ في الأئِمَّةِ، وتكفيرٌ لمن أنكر إمامتَهم، وطعنٌ في
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفاروقِ والصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم
[527] ((روضة الكافي)) (8/ 18 - 30). .
وخُطبةُ الطَّالوتيَّةِ، فيها اتهامُ عليٍّ للصَّحابةِ الكرامِ بأنَّهم أهلُ باطلٍ، وبأنَّه سينزِلُ بهم ما نزل بالأمَمِ مِن قبلِهم؛ لصَدِّهم عن الحَقِّ، وتركِهم الوصيَّ الذي به أُمروا، وأنَّه قال مهدِّدًا لهم: (أمَا واللَّهِ لو كان لي عِدَّةُ أصحابِ طالوتَ أو عدَّةُ أهلِ بَدرٍ لضربتُكم بالسَّيفِ حتى تئولوا إلى الحَقِّ)
[528] ((روضة الكافي)) (8/ 31 - 32). .
وعن عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنه أنَّه قال: (لولا عهدٌ عَهِدَه إليَّ النَّبيُّ الأمِّيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأوردتُ المخالِفين خليجَ المنيَّةِ، ولأرسلتُ عليهم شآبيبَ صواعقِ الموتِ، وعن قليلٍ يَعلَمون)
[529] ((روضة الكافي)) (8/ 33). .
وفي خطبةٍ أخرى عن عليٍّ أنَّه خطبَها بعدَ مقتلِ عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فيها الكلامُ عن الجبابرةِ وهامانَ وفرعونَ وعُثمانَ، وأنَّه قال فيها عن عُثمانَ رضي اللَّهُ عنه: (قام الثَّالثُ كالغرابِ، همُّه بطنُه، وَيْلَه لو قُصَّ جناحاه وقُطِعَ رأسُه كان خيرًا له، شُغِلَ عن الجنَّةِ، والنَّارُ أمامَه)
[530] ((روضة الكافي)) (8/ 67، 68). .
وثمَّةَ رواياتٌ أخرى كاذبةٌ، منها أنَّه في يومِ ميلادِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشَّر أبو طالبٍ زوجتَه بقَولِه: (أمَا إنَّكِ ستلدينَ غلامًا يكونُ وَصِيَّ هذا المولودِ)
[531] ((روضة الكافي)) (8/ 302). .
وأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (إنَّ عليًّا يحمِلُكم على الحقِّ، فإن أطعتُموه ذلَلْتُم، وإن عَصَيتُموه كفرتُم باللَّهِ)
[532] ((روضة الكافي)) (8/ 66). .
ومن رواياتِ رَوضةِ الكافي: أنَّ النَّاصِبَ شرٌّ ممَّن ينتهِكُ المحارمَ كُلَّها
[533] ((روضة الكافي)) (8/ 101). النَّاصِبةُ هم الذين يُبغِضون أهلَ البَيتِ، والشِّيعةُ يرمون أهلَ السُّنَّةِ بأنَّهم ناصبةٌ، مع أنَّهم يعرِفون قَدْرَ أهلِ البيتِ وفَضْلَهم، ويحبُّونهم، ويُصَلُّون عليهم مع صلاتِهم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في الصَّلاةِ الإبراهيميَّةِ، ويروون ما صحَّ من أحاديثَ في فضائِلِهم، ولكِنَّ الشِّيعةَ قومٌ مفترون، وفي الكافي رميُ بعضِ أئمَّةِ السُّنَّةِ بأنَّهم ناصبةٌ كأبي حنيفةَ. يُنظر: ((روضة الكافي)) (8/ 292). .
وأنَّ شهودَ الصَّلاةِ في مساجِدِ غيرِ الشِّيعةِ الجَعفَريةِ الاثني عَشْريَّةِ كُفرٌ باللَّهِ العظيمِ إلَّا من مشى إليها وهو عارفٌ بضلالِهم
[534] ((روضة الكافي)) (8/ 389). ولذلك نجِدُ الشِّيعةَ الجَعفريَّةَ يحرِصون على إقامةِ مَساجِدَ خاصَّةٍ بهم. .
وعن
موسى الكاظِمِ أنَّه قال: (إلينا إيابُ هذا الخلقِ، وعلينا حسابُهم، فما كان لهم من ذنبٍ بَيْنَهم وبينَ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ حتَّمْنا على اللَّهِ في تركِه لنا، فأُجِبْنا إلى ذلك، وما كان بَيْنَهم وبينَ النَّاسِ استوهَبْناه منهم، وأجابوا إلى ذلك، وعوَّضَهم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ)
[535] ((روضة الكافي)) (8/ 162). وهذا مخالفٌ لقولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25 - 26] . !
وعن أبي جَعفَرٍ الباقِرِ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ هو الذي ينزِلُ أهلَ الجنَّةِ منازِلَهم ويزوِّجُهم، ويُدخِلُ أهلَ النَّارِ النَّارَ، وأبوابُ الجنَّةِ والنَّارِ إليه
[536] ((روضة الكافي)) (8/ 159). !
وورد أنَّ في الجنَّةِ نهرًا يُقالُ له: جَعفَرٌ، على شاطئِه الأيمنِ دُرَّةٌ بيضاءُ فيها ألفُ قصرٍ، في كُلِّ قصرٍ ألفُ قصرٍ لمُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[537] ((روضة الكافي)) (8/ 152). .
وبعدَ هذا العرضِ لأصولِ الكافي وروضتِه يمكِنُ استنتاجُ الآتي 1- أنَّ الكُلينيَّ اتَّخذ من السُّنَّةِ -بمفهومِها عِندَه- وسيلةً لإثباتِ عقيدتِه في الإمامةِ، ورأيِه في الأئِمَّةِ وما يتَّصِفون به، ووسيلةً كذلك لبيانِ بطلانِ ما ذهب إليه غيرُ الجَعفَريَّةِ الذين لم يأخُذوا بعقيدتِه في الإمامةِ، وأنَّهم في النَّارِ وإن كانوا عبادًا صالحين زاهدين، فعبادتُهم غيرُ مقبولةٍ في زَعمِ الكُلينيِّ؛ لأنَّهم لم يؤمِنوا بعقيدةِ الإماميَّةِ الاثْنَي عَشْريَّةِ، وأنَّ الجَعفَريَّةَ جميعًا بغيرِ استثناءٍ سيدخلون الجنَّةَ ولا تمسُّهم النَّارُ مهما كان خطؤهم في حَقِّ اللَّهِ تعالى أو في حَقِّ عبادِه!
2- الكُلينيُّ اتَّخذ من السُّنَّةِ -بمفهومِها عِندَه- وسيلةً لتحريفِ كتابِ اللَّهِ تعالى نصًّا ومعنًى، وقد نهَج منهجَ شيخِه عَليِّ بنِ إبراهيمَ القُمِّيِّ في تفسيرِ القرآنِ، وفي الطَّعنِ في الصَّحابةِ الكرامِ، لا سيَّما الخلفاءِ الثَّلاثةِ رضي اللَّهُ تعالى عنهم أجمعينَ.
3- الكُلينيُّ يُضَمِّنُ كتابَه بعضَ الأحداثِ التَّاريخيَّةِ، ويذكُرُها بحسَبِ هواه، ويفسِّرُها بما يشتهي، وبما يُشبِعُ غَيَّه وضلالَه.
4- الكُلينيُّ لم يتورَّعْ عن نَقلِ الكَذِبِ أو افترائِه، وكتابُه مليءٌ بالكَذِبِ والباطلِ والخرافاتِ.
رابعًا: (فروعُ الكافي) والكتُبُ الثَّلاثةُ الأُخرى الفروعُ من كتابِ (الكافي) تشتملُ على الرِّواياتِ المتَّصلةِ بالأحكامِ الفقهيَّةِ، فهي بهذا تلتقي مع كتابِ (من لا يحضُرُه الفقيهُ) للصَّدوقِ وكتابَي (التهذيبِ) و (الاستبصارِ)
للطُّوسيِّ.
وأثرُ العقيدةِ الإماميَّةِ موجودةٌ في هذه الكتُبِ الفقهيَّةِ إلى حدٍّ كبيرٍ، فمثلًا في كتابِ الحجِّ يظهرُ أثَرُ العقيدةِ الإماميَّةِ واضحًا، كما في هذه الرِّواياتِ من تلك الكتُبِ:
عن الإمامِ الصَّادقِ أنَّه سُئلَ عن رجلٍ حَجَّ ولا يَعرِفُ هذا الأمرَ ثمَّ منَّ اللَّهُ عليه بمعرفتِه والدِّينِونةِ به، أعليه حَجَّةُ الإسلامِ؟ فقال: (قد قضى فريضةَ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، والحَجُّ أحَبُّ إليَّ)
[538] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/263)، ((الاستبصار)) للطوسي (2/145). !
وقد عقد الكُلينيُّ في الكافي بابًا بعُنوانِ بابِ الحجِّ عن المخالِفِ
[539] ((الكافي)) (4 / 209). يروي فيه عن وهبٍ قال: (قُلتُ لأبي عبدِ اللَّهِ: أيحُجُّ الرَّجُلُ عن النَّاصبِ؟ فقال: لا، فقُلتُ: فإن كان أبي؟ قال: فإن كان أباك فنَعَمْ).
وفي فضلِ الزِّيارةِ وثوابِها أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للحَسَنِ رضي اللَّهُ عنه: (يا بُنَيَّ من زارني حيًّا أو ميتًا، أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك؛ كان حقًّا عليَّ أن أزورَه يومَ القيامةِ، فأُخَلِّصَه من ذنوبِه)
[540] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/ 354). .
وعن أبي جَعفَرٍ أنَّه قال: (من تمامِ الحَجِّ لقاءُ الإمامِ)
[541] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/ 580). .
وعن يونُسَ بنِ أبي وهبٍ قال: (دخلتُ المدينةَ فأتيتُ أبا عبدِ اللَّهِ فقُلتُ: جُعِلتُ فداك، أتيتُك ولم أزُرْ أميرَ المُؤمِنين. قال: بئسَ ما صنعتَ، لولا أنَّك من شيعتِنا ما نظرتُ إليك، ألا تزورُ من يزورُه اللَّهُ مع الملائكةِ، ويزورُه الأنبياءُ ويزورُه المُؤمِنون؟)
[542] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/ 347). .
وعن الصَّادِقِ أنَّه قال: (إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يبدأُ بالنَّظَرِ إلى زوَّارِ قبرِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ عشيَّةَ عرفةَ، قيل له: قَبْلَ نَظَرِه إلى أهلِ الموقِفِ؟ قال: نعم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأنَّ في أولئك أولادَ زِنًى، وليس في هؤلاء أولادُ زنًى)
[543] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/ 349). !
وعن البيزنطيِّ قال: قرأتُ كتابَ أبي الحَسَنِ الرِّضا: (أبلِغْ شيعتي أنَّ زيارتي تعدِلُ عِندَ اللَّهِ تعالى ألفَ حجَّةٍ. قال: قُلتُ لأبي جَعفَرٍ يعني ابنَه ألفَ حجَّةٍ؟ قال: إي واللَّهِ، وألفُ ألفِ حَجَّةٍ لمن زاره عارِفًا بحَقِّه)
[544] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/589)، ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/361، 362). .
وعن الصَّادِقِ أنَّه قال: (يا سديرُ تزورُ قبرَ الحُسَينِ في كُلِّ يومٍ؟ قُلتُ: جُعِلتُ فداك لا. قال: فما أجفاكم! قال: فتزورونَه في كُلِّ جمعةٍ؟ قُلتُ: لا، قال: فتزورونَه في كُلِّ شهرٍ؟ قُلتُ: لا، قال: فتزورونَه في كُلِّ سنةٍ؟ قُلتُ: قد يكونُ ذلك. قال: يا سديرُ ما أجفاكم للحُسَينِ، أمَّا علمتَ أنَّ للهِ عزَّ وجَلَّ ألفَيْ ألفِ ملَكٍ شُعثٍ غُبرٍ يبكونَ ويزورونَه لا يفترونَ؟ وما عليك يا سديرُ أن تزورَ قبرَ الحُسَينِ في كُلِّ جمعةٍ خمسَ مراتٍ، وفي كُلِّ يومٍ مرَّةً؟ قُلتُ: جُعِلتُ فداك إنَّ بيننا وبينَه فراسخَ كثيرةً. فقال لي: اصعَدْ فوقَ سَطحِك، ثم تلتَفِتُ يَمنةً ويَسرةً، ثمَّ ترفَعُ رأسَك إلى السَّماءِ، ثمَّ تنحو نحوَ القبرِ وتقولُ: السَّلامُ عليك يا أبا عبدِ اللَّه، السَّلامُ عليك ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه. تُكتَبُ لك زَورةٌ، والزَّورةُ حَجَّةٌ وعُمرةٌ)
[545] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/589)، ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/361، 362). !
وعن بشيرِ الدَّهانِ قال: (قُلتُ لأبي عبدِ اللَّهِ: ربمَّا فاتني الحجُّ فأعرِّفُ
[546] عرَّف: أي: وَقَف بعرَفاتٍ، ولكِنَّه هنا جعَلَه عِندَ قبرِ الحُسينِ! عندَ قبرِ الحُسَينِ، فقال: أحسنتَ يا بشيرُ، أيُّما مُؤمِنٍ أتى قبرَ الحُسَينِ عارفًا بحقِّه في غيرِ يومِ عيدٍ كتَبَ اللَّهُ له عشرينَ حجَّةً، وعشرينَ عمرةً مبروراتٍ مقبولاتٍ، وعشرينَ حجَّةً وعمرةً مع نبيٍّ مُرسَلٍ أو إمامٍ عَدلٍ، ومن أتاه في يومِ عيدٍ كتَب اللَّهُ له مائةَ حجَّةٍ، ومائةَ عمرةٍ، ومائةَ غزوةٍ مع نبيٍّ مُرسَلٍ أو إمامٍ عَدلٍ، قال: قُلتُ له: كيف لي بمثلِ الموقِفِ؟ قال: فنَظَر إليَّ شِبهَ المُغضَبِ ثمَّ قال لي: يا بشيرُ إنَّ المُؤمِنَ إذا أتى قبرَ الحُسَينِ يومَ عرفةَ، واغتسل من الفراتِ، ثمَّ توجَّه إليه، كتَب اللَّهُ له بكلِّ خطوةٍ حَجَّةً بمناسِكِها، ولا أعلمُه إلَّا قال: وغزوةً)
[547] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/ 580). .
وذَكَر الكُلينيُّ عدَّةَ رواياتٍ في فضلِ زيارةِ قَبرِ الحُسَينِ، وأنَّها أفضَلُ من الحَجِّ، ومنها أنَّه قال: (مَن أتى قبرَ أبي عبدِ اللَّهِ عارِفًا بحَقِّه، غَفَر اللَّهُ له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر)
[548] يُنظر: ((الكافي)) (4/ 580، 583). .
وروى الشِّيعةُ عن الأئِمَّةِ أدعيةً تقالُ عِندَ زيارةِ قبرِ عَليٍّ رَضي اللَّهُ عنه؛ منها:
(السَّلامُ عليك يا وَليَّ اللَّهِ، أنت أوَّلُ مظلومٍ، وأوَّلُ من غُصِبَ حَقَّه، جِئتُك عارفًا بحقِّك، مستبصِرًا بشأنِك، معاديًا لأعدائِك ومن ظلمَك، لعَن اللَّهُ من خالفَك، ولعَن اللَّهُ من افترى عليك وظلَمَك، ولعَن اللَّهُ من غصَبَك، ولعَنَ اللَّهُ من بلَغه ذلك فرَضيَ به، أنا إلى اللَّهِ منهم بريءٌ، لعن اللَّهُ أمَّةً خالفَتْك، وأمَّةً جحَدَتْك وجحَدَت ولايتَك، وأمَّةً تظاهَرت عليك، وأمَّةً قتلَتْك، وأمَّةً حادَت عنك وخذلَتك، الحمدُ للهِ الذي جعَل النَّارَ مثواهم، وبِئسَ الوِردُ المورودُ، وبِئسَ وِردُ الواردينَ، وبئسَ الدَّركُ المُدرَكُ.
اللهمَّ العَنْ قتَلةَ أنبيائِك، وقَتَلةَ أوصياءِ أنبيائِك بجميعِ لعناتِك، وأَصْلِهم حرَّ نارِك، اللَّهم العَنِ الجوابيتَ والطَّواغيتَ والفراعنةَ، واللَّاتَ والعُزَّى والجِبتَ، وكُلَّ ندٍّ يُدعى من دونِ اللَّهِ، وكلَّ مفترٍ. اللَّهُمَّ العَنْهم وأشياعَهم وأتباعَهم وأولياءَهم وأعوانَهم ومحبِّيهم لعنًا كثيرًا.
أشهَدُ أنَّك جَنبُ اللَّهِ، وأنَّك بابُ اللَّهِ، وأنَّك وَجهُ اللَّهِ الذي يؤتَى منه، وأنَّك سبيلُ اللَّهِ.
أشهَدُ أنَّ من قاتلَكم وحارَبكم مِشرِكون، ومَن ردَّ عليكم في أسفَلِ دركٍ من الجحيمِ)
[549] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (4/569)، ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/252). .
وممَّا رواه الشِّيعةُ من أدعيةٍ تقالُ عِندَ زيارةِ قبرِ الحُسَين:
(بكم تُنبِتُ الأرضُ أشجارَها، وبكم تُخرِجُ الأشجارُ أثمارَها، وبكم تُنزِلُ السَّماءُ قَطرَها، وبكم يكشِفُ اللَّهُ الكَربَ، وبكم يُنزِلُ اللَّهُ الغيثَ، وبكم تُسبِّحُ الأرضُ التي تحمِلُ أبدانَكم.
لُعِنَت أمَّةٌ قتَلَتْكم، وأمَّةٌ خالفَتْكم، وأمَّةٌ جحَدَت ولايتَكم، وأمَّةٌ ظاهرت عليكم، وأمَّةٌ شَهِدت ولم تنصُرْكم، الحمدُ لله الذي جعَل النَّارَ مأواهم، وبئسَ الوِردُ المورودُ)
[550] يُنظر: ((من لا يحضره الفقيه)) للصدوق (2/359). .
وقد تنبَّهَ العالمُ الشِّيعيُّ آيةُ اللَّهِ العُظمى أبو الفضلِ بنُ الرِّضا البُرقعيُّ إلى ما في كتابِ الكافي من ضلالاتٍ كثيرةٍ، وهاله تقديسُ الشِّيعةِ لهذا الكتابِ المليءِ بالكُفرِ والزَّندقةِ، فألَّف كتابًا كبيرًا أسماه: (كَسرُ الصَّنَمِ)، نقَضَ فيه أصولَ كتابِ الكافي.