موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (5-7)

ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ

غريب الكلمات :

رَيْبٍ: الرَّيبُ: الشَّكُّ، أو هو الشَّكُّ معَ الخَوفِ، ومعَ تُهمةِ المشكوكِ فيه، وتوهُّمُ أمْرٍ ما بالشَّيءِ، والرَّيبُ مصدرُ رابني الشيءُ: إذا حصَل فيه الرِّيبةُ، وهي قلقُ النفْسِ واضطرابُها [67] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/463)، ((المفردات)) للراغب (ص: 368)، ((تفسير الزمخشري)) (1/34)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 47). .
نُطْفَةٍ: النُّطفةُ: هي المنيُّ، وقيل: الماءُ الصَّافي [68] وقال الشنقيطي: (النُّطْفةُ مختلِطةٌ مِنْ ماءِ الرَّجلِ وماءِ المرأةِ، خلافًا لمنْ زَعَم أنَّها مِنْ ماءِ الرَّجلِ وحْدَه). ((أضواء البيان)) (4/266). وذكَر الدليلَ على ذلك، فقال: (بدليلِ قولِه تعالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان: 2] ، أي: أخلاطٍ مِنْ ماءِ الرَّجلِ وماءِ المرأةِ). ((أضواء البيان)) (2/330). ، وقيل: الماءُ القليلُ، وأصلُ (نطف): يدُلُّ على نَدوةٍ وبَلَلٍ [69] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/440)، ((المفردات)) للراغب (ص: 811)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
عَلَقَةٍ: العَلَقةُ: الدَّمُ الجامِدُ، وأصلُ (علق): يدُلُّ على تعلُّقِ شَيءٍ بشَيءٍ [70] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/21)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/125)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
مُضْغَةٍ: المُضْغةُ: القِطعةُ الصَّغيرةُ مِن اللَّحمِ قَدْرَ ما يُمضَغُ، وأصلُها: مِن المَضْغِ [71] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 444)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/330)، ((المفردات)) للراغب (ص: 770)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300). .
مُخَلَّقَةٍ: أي: مخلوقةٍ تامَّةِ الخَلقِ، وأصلُ (خلق): يدلُّ على تقديرِ الشَّيءِ [72] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 290)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 445)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/213)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 243)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 881). .
وَنُقِرُّ: أي: نُثبِّتُ، وأصلُه يدُلُّ على التمَكُّنِ [73] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 662). .
لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ: أي: سِنَّ الفُتُوَّةِ واستِجماعِ القُوى، وأصلُه مِنَ الشِّدَّةِ والقُوَّةِ والجَلادةِ، وقيلَ: أصلُه الارتفاعُ؛ مِن: شَدَّ النَّهارُ، إذا ارْتفَع [74] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 215، 277)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (11/182)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/179)، ((تفسير أبي حيان)) (4/689)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 326)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 121)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/201). قال أبو حيان: (وأشُدُّ جمعُ شِدَّةٍ أو شَدٍّ أو شُدٍّ، أو جمعٌ لا واحدَ له مِن لفظِه، أو مُفردٌ لا جمعَ له؛ أقوالٌ خمسةٌ). ((تفسير أبي حيان)) (4/689). .
أَرْذَلِ الْعُمُرِ: أي: أرْدَئِه، وهو الهَرَمُ والخَرَفُ؛ لأنَّ الهَرَمَ أسوأُ العُمُرِ وشَرُّه، والأرذَلُ مِن كُلِّ شَيءٍ: الرَّديءُ منه [75] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 290)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 67)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/509)، ((المفردات)) للراغب (ص: 351)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 196)، ((لسان العرب)) لابن منظور (11/281). .
هَامِدَةً: أي: مَيْتةً يابِسةً، لا نباتَ فيها، وأصلُ (همد): يدُلُّ على خُمودِ شَيءٍ [76] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 290)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 493)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/65)، ((المفردات)) للراغب (ص: 845)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 300)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 243). .
اهْتَزَّتْ: أي: تحرَّكَت بالنَّباتِ عندَ وقوعِ الماءِ عليها، وأصلُ (هزز): يدُلُّ على اضطرابٍ في شَيءٍ وحَركةٍ [77] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/9)، ((الغريبين)) للهروي (6/1929)، ((البسيط)) للواحدي (15/273)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 236). .
وَرَبَتْ: أي: انتَفَخَت وعَلَت وزادت، وأصلُ (ربا): يدُلُّ على الزِّيادةِ والنَّماءِ والعُلُوِّ [78] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 290)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/483)، ((المفردات)) للراغب (ص: 340)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 338)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 301). .
زَوْجٍ بَهِيجٍ: أي: جِنسٍ وصِنفٍ حَسَنٍ، والبَهيجُ بمعنى المُبهِجِ، وهو الحَسَنُ الصُّورةِ الذي تُمتَّعُ العَينُ برُؤيتِه؛ مِن البَهجةِ: أي: حُسنِ الشَّيءِ ونَضارَتِه، وأصلُ (زوج): يدُلُّ على مُقارَنةِ شَيءٍ لِشَيءٍ [79] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 290)، ((تفسير ابن جرير)) (16/467)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/35)، ((البسيط)) للواحدي (15/274). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: يا أيُّها النَّاسُ، إنْ كُنتُم في شَكٍّ مِن أنَّ اللهَ يُحيي الموتى، فإنَّا خلَقْنا أباكم آدَمَ مِن تُرابٍ، ثمَّ تناسَلَت ذُرِّيَّتُه مِن مَنِيٍّ، فيتحَوَّلُ بقُدرةِ اللهِ إلى عَلَقةٍ، وهي قِطعةُ دَمٍ حمراءُ جامِدةٌ تَعلَقُ برَحِمِ المرأةِ، ثمَّ إلى مُضغةٍ -وهي قِطعةُ لَحمٍ صَغيرةٌ قَدْرَ ما يُمضَغُ-، مخلَّقةٍ وغَيرِ مُخلَّقةٍ؛ لنبيِّنَ لكم تَمامَ قُدرَتِنا. ونُبقي في الأرحامِ ما نشاءُ مِن الأجنَّةِ إلى وَقتِ ولادتِه، ثم نخرِجُكم مِن بطونِ أمَّهاتِكم أطفالًا صِغارًا، ثم تَكبَرُون حتى تَبلُغوا الأشُدَّ، وهو وَقتُ اكتِمالِ القُوَّةِ والعَقلِ، ومِنكم مَن يَموتُ قبْلَ ذلك، ومِنكم مَن يَكبَرُ حتى يبلُغَ سِنَّ الهَرَمِ وضَعْفِ العَقلِ، فلا يعلَمُ هذا المعمَّرُ شَيئًا مِمَّا كان يَعلَمُه قبْلَ ذلك!
وترى الأرضَ يابِسةً مَيْتةً لا نباتَ فيها، فإذا أنزَلْنا عليها الماءَ تحَرَّكَت بالنَّباتِ وارتفَعَت وانتفَخَت، وأنبَتَت مِن كلِّ نَوعٍ مِن أنواعِ النَّباتِ الحَسَنِ الذي يَسُرُّ النَّاظِرينَ. ذلك المذكورُ مِمَّا تقدَّمَ مِن آياتِ قُدرةِ اللهِ تعالى؛ لِتَعلَموا أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى هو الحقُّ، الذي لا تَنبغي العبادةُ إلَّا له، وأنَّه يُحيي الموتى، وهو قادِرٌ على كُلِّ شَيءٍ.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حكى اللهُ سُبحانَه عن الكافِرينَ الجِدالَ بغَيرِ العِلمِ في إثباتِ الحَشرِ والنَّشرِ، وذَمَّهم عليه، أورَدَ الدَّلالةَ على صِحَّةِ ذلك [80] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/203). ؛ فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ.
أي: يا أيُّها النَّاسُ، إنْ كُنتُم في شَكٍّ واشتِباهٍ مِن قُدرَتي على بَعْثِكم بعدَ مَوتِكم، فتَذَكَّروا أنَّني خلَقْتُ أباكم آدَمَ مِن ترابٍ؛ فالذي قدَرَ على خَلْقِكم أوَّلًا قادِرٌ على خَلْقِكم ثانيًا [81] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/461)، ((تفسير الرازي)) (23/203)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((الروح)) لابن القيم (ص: 171)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/8، 9)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/265). قال الشنقيطي: (التحقيقُ في معنى خَلْقِه للنَّاسِ مِن ترابٍ: أنَّه خلق أباهم آدَمَ منه، ثمَّ خلق منه زَوجَه، ثمَّ خَلَقَهم منهما عن طريقِ التناسُلِ، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [آل عمران: 59]، فلمَّا كان أصلُهم الأوَّلُ مِن تراب، أَطلَق عليهم أنَّه خلَقَهم من ترابٍ؛ لأنَّ الفُروعَ تَبَعٌ للأصلِ). ((أضواء البيان)) (4/265). .
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ.
أي: ثمَّ خَلَقْناكم -يا بَني آدَمَ- مِن مَنِيٍّ [82] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/324)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/266). .
كما قال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 37-40] .
ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ.
أي: ثمَّ خَلَقْناكم مِن قِطعةِ دَمٍ حَمراءَ جامِدةٍ تَعلَقُ برَحِمِ المرأةِ [83] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/461)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((تفسير الشعراوي)) (16/9706). .
ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ.
أي: ثمَّ خَلَقْناكم مِن قِطعةِ لَحمٍ صَغيرةٍ بمِقدارِ ما يُمضَغُ، مخلَّقةٍ وغيرِ مخلَّقةٍ [84] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/461 - 463)، ((الوسيط)) للواحدي (3/259)، ((تفسير القرطبي)) (12/6)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/114، 115)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/198)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/266 - 268). ومِمَّن قال بأنَّ المرادَ بالمُخَلَّقةِ: المُصَوَّرةُ خَلقًا تامًّا، وأنَّ غَيرَ المُخَلَّقةِ تعني السِّقْطَ قبلَ تمامِ خَلْقِه: ابنُ جرير، والواحدي -ونسبه للأكثرينَ-، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/463)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 728)، ((الوسيط)) للواحدي (3/259)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533). قال ابنُ جَرير: (وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ: قولُ مَن قال: «المُخلَّقَة» المُصوَّرة خلقًا تامًّا، وغيرُ مُخلَّقة: السِّقْطُ قَبلَ تَمام خَلْقه؛ لأنَّ المُخلَّقةَ وغيرَ المُخلَّقةِ مِن نعْت المُضغَةِ، والنُّطفةُ بعدَ مَصيرها مُضغةً لم يَبقَ لها حالٌ -حتَّى تصيرَ خَلقًا سويًّا- إلَّا التصويرَ، وذلك هو المرادُ بقوله: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج: 5] ؛ خلقًا سويًّا، وغيرَ مُخلَّقة بأنْ تُلقيَه الأمُّ مُضغةً، ولا يُصَوَّرُ، ولا يُنفَخُ فيها الرُّوحُ). ((تفسير ابن جرير)) (16/463). قال الواحديُّ: (ويدلُّ على صحَّة هذا التفسيرِ: ما رَوَى عَلْقمةُ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ: «إذا وقعتِ النُّطفةُ في الرَّحمِ بعَث اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَلَكًا، فقال: يا ربِّ، مُخلَّقةٌ أمْ غيرُ مُخلَّقةٍ؟ فإنْ قال: غيرُ مُخلَّقةٍ، مجَّتْها الأرحامُ، وإنْ قال: مُخلَّقةٌ، قال: يا ربِّ، ما صِفةُ هذه النُّطفةِ؟ أذَكَرٌ أمْ أُنثى؟ ما رِزقُها؟ ما أجَلُها؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟»). ((البسيط)) (15/261). قال الشِّنقيطيُّ: (هذا القولُ الذي اختارَه الإمامُ الجَليلُ الطبريُّ رحمه الله تعالى، لا يَظهَر صوابُه، وفي نفْسِ الآيةِ الكريمةِ قرينةٌ تدُلُّ على ذلك، وهي قولُه جلَّ وعلا في أوَّلِ الآية: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الحج: 5] ؛ لأنَّه على القولِ المذكورِ الذي اختاره الطبريُّ يصير المعنى: ثُم خلَقْناكم مِن مُضغةٍ مُخلَّقةٍ، وخلَقْناكم مِن مُضغةٍ غيرِ مُخلَّقةٍ. وخطابُ الناس بأنَّ الله خَلَق بعضَهم مِن مُضغةٍ غيرِ مُصوَّرةٍ، فيه مِن التناقُض كما ترَى؛ فافهَمْ. فإنْ قيل: في نفْسِ الآيةِ الكريمةِ قرينةٌ تدُلُّ على أنَّ المرادَ بغيرِ المخلَّقةِ: السِّقْطُ؛ لأنَّ قوله: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الحج: 5] يُفهمُ منه أنَّ هناك قِسمًا آخَرَ لا يُقِرُّه اللهُ في الأرحامِ إلى ذلك الأجلِ المسمَّى، وهو السِّقطُ؟ فالجوابُ: أنَّه لا يتعيَّنُ فَهْمُ السِّقْطِ مِن الآيةِ؛ لأنَّ اللهَ يُقِرُّ في الأرحام ما يشاءُ أنْ يُقِرَّه إلى أجلٍ مسمًّى؛ فقد يُقِرُّه سِتَّةَ أشهرٍ، وقد يُقِرُّه تِسعةً، وقد يُقرُّه أكثرَ مِن ذلك كيفَ شاء. أمَّا السِّقطُ: فقد دلَّتِ الآيةُ على أنَّه غيرُ مرادٍ، بدليلِ قولِه: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ؛ لأنَّ السِّقطَ الذي تُلقيه أمُّه ميِّتًا -ولو بعدَ التشكيلِ والتخطيطِ- لم يَخلُقِ اللهُ منه إنسانًا واحدًا مِن المخاطَبينَ بقوله: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الآيةَ؛ فظاهرُ القرآن يَقتضي أنَّ كُلًّا مِن المخلَّقةِ وغيرِ المخلَّقةِ: يُخلَقُ منه بعضُ المخاطبين في قولِه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ الآيةَ). ((أضواء البيان)) (4/267). وقال الواحديُّ: (قال ابن الأعرابي: مُخَلَّقَةٍ قد بدَا خَلقُه، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ بعدُ لم يُصوَّر... وأمَّا أهلُ التفسيرِ: فإنَّ مُجاهدًا والسُّدِّيَّ اتَّفقَا على أنَّ المخلَّقةَ وغيرَ المخلقةِ: يعني بهما السِّقطَ... وذهب آخرون إلى أنَّ المخلَّقةَ في غيرِ السِّقطِ، وغيرَ المخلَّقة: هو السقطُ... وعلى هذا القولِ معنى «المخلَّقة»: المخلوقةُ... وفي هذا مذهبٌ ثالثٌ، وهو: أنَّ المُخلَّقةَ وغيرَ المُخلَّقة كِلاهما مِن صِفة الولدِ الذي يُولد، وليسَا ولا أحدُهما مِن صفةِ السِّقطِ، وهو مذهبُ قَتادةَ، واختيارُ أبي إسحاقِ وثَعلبٍ). يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (15/259). وقيل: المرادُ: يَخلُق المُضَغَ متفاوِتةً؛ منها ما هو كاملُ الخِلقةِ، أملَسُ مِن العيوبِ، ومنها ما هو على عكسِ ذلك، فيَتبعُ ذلك التفاوتَ تفاوتُ الناسِ في خَلْقِهم وصُوَرِهم، وطُولهم وقِصَرِهم، وتَمامِهِم ونُقصانِهم. وممَّن ذهب إلى هذا: الزمخشريُّ، والرازيُّ، والشِّنقيطيُّ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/144)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/268). وقال الرازيُّ في بيانِ ترجيحِ هذا القولِ: (لأنَّه تعالى قال في أوَّلِ الآيةِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ، وأشار إلى الناسِ؛ فيجبُ أنْ تُحمَلَ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ على مَن سيصيرُ إنسانًا، وذلك يَبعُدُ في السِّقطِ؛ لأنَّه قد يكون سِقطًا ولم يتكامَلْ فيه الخِلقةُ). ((تفسير الرازي)) (23/204). واختاره محيي الدين زاده، وقال: (لأنَّه أوفَقُ لبِناءِ التَّفعيلِ الدَّالِّ على تكثيرِ الخَلقِ؛ فإنَّ الإنسانَ ذو أعضاءٍ مُتبايِنةٍ، وقُوًى مُتفاوِتةٍ، فإذا كَمَل فيه جميعُ ما يَتِمُّ به خِلقةُ النَّوعِ فقد كَثُرَ فيه الخَلقُ). ((حاشية زاده على البيضاوي)) (6/89). وقال ابن عاشور: (فقوله تعالى: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صِفةُ مُضْغَةٍ، وذلك تطوُّرٌ مِن تطوُّرات المُضغةِ...؛ ولذلك لم يَذكر مِثلَ هذين الوصفين عند ذِكر النُّطفةِ والعَلَقةِ؛ إذ ليس لهما مِثلُ هذين الوصفينِ، بخِلاف المُضغةِ. وإذ قد جُعِلت المضغةُ مِن مبادِئ الخلقِ تَعيَّن أنَّ كِلَا الوصفين لازِمان للمُضغةِ؛ فلا يستقيم تفسيرُ مَن فسَّر «غير المخلَّقة» بأنها التي لم يَكمُلْ خلْقُها فسقَطتْ). ((تفسير ابن عاشور)) (17/198، 199). .
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: حَدَّثنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو الصَّادِقُ المصدوقُ، قال: ((إنَّ أحَدَكم يُجمَعُ خَلْقُه في بَطنِ أمِّه أربعينَ يَومًا، ثمَّ يكونُ عَلَقةً مِثلَ ذلك، ثمَّ يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلك، ثم يَبعَثُ اللهُ ملَكًا فيُؤمَرُ بأربَعِ كَلِماتٍ، ويُقالُ له: اكتُبْ عَمَلَه، ورِزْقَه، وأجَلَه، وشَقِيٌّ أو سَعيدٌ، ثم يُنفَخُ فيه الرُّوحُ )) [85] رواه البخاري (3208) واللفظ له، ومسلم (2643). .
لِنُبَيِّنَ لَكُمْ.
أي: لنُعَرِّفَكم بابتداءِ خَلْقِكم، ونُظهِرَ لكم قُدرَتَنا [86] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/463)، ((تفسير القرطبي)) (12/11)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/199)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/269). قيل: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ متعلِّقٌ بجعلِ المضغةِ مخلَّقةً وغيرَ مخلَّقةٍ. وذهب إليه ابنُ جريرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/463). وقيل: متعلِّقٌ بقولِه تعالى: خَلَقْنَاكُمْ في قولِه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ. وممن قال بذلك: أبو حيان، وأبو السعود، والألوسي، واستَظْهره الشنقيطي. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/485)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير الألوسي)) (9/112)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/269). وقال ابن جزي: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ اللامُ تتعلَّقُ بمحذوفٍ تقديرُه: ذكَرْنا ذلك لنُبيِّنَ لكم قدرتَنا على البعثِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/33). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/412). وقال الواحدي: (قوله تعالى: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ اختلَفوا في مفعولِ التَّبيينِ؛ فقال ابنُ عبَّاسٍ: لِنُبَيِّنَ لكم ما تأتُون وما تَذَرون. يعني أنَّ اللهَ تعالى خَلَق بني آدَمَ لِيُبَيِّنَ لهم ما يَحتاجون إليه في العبادةِ. وقال الزَّجَّاجُ: أي: ذكَرْنا أحوالَ خَلقِ الإنسانِ لِنُبَيِّنَ لكم قُدرتَنا على ما نَشاءُ، ونُعرِّفَكم ابتداءَنا خَلقَكم. وقال صاحبُ النظمِ [أبو عليٍّ الجُرْجانيُّ]: لِنُبَيِّنَ لكم أنَّ البعثَ حقٌّ، يدُلُّ على هذا أنَ الآيةَ أُنزلتْ دَلالةً على البعثِ. وقال ابنُ مسلمٍ: لِنُبَيِّنَ لكم كيف نَخلُقُكم في الأرحامِ. وقال أهلُ المعاني: لِنَدُلَّكم على مَقدورِنا بتصريفِ ضُروبِ الخَلقِ). ((البسيط)) (15/264). .
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
أي: ونُثبِتُ في أرحامِ الأمَّهاتِ ما نشاءُ إبقاءَه مِن الأجِنَّةِ إلى الوَقتِ الذي قدَّرْناه للوِلادةِ [87] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/464)، ((الوسيط)) للواحدي (3/259، 260)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/269). قال الشِّنقيطيُّ: (الأَجِنَّةُ تختَلِفُ في ذلك حسبَما يشاؤُه اللهُ جلَّ وعلا؛ فتارةً تَضعُه أمُّه لسِتَّةِ أشهُرٍ، وتارةً لتِسعةٍ، وتارةً لأكثرَ مِن ذلك. وما لم يشأِ اللهُ إقرارَه مِن الحَملِ مَجَّتْه الأرحامُ وأسقَطَتْه). ((أضواء البيان)) (4/269). .
ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا.
أي: ثمَّ نُخرِجُكم مِن بُطونِ أمَّهاتِكم -إذا بلَغْتُمُ الأجَلَ الذي قدَّرْناه لخُروجِكم منها- أطفالًا [88] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/464)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/412)، ((تفسير الشوكاني)) (3/516)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533). قال البِقاعيُّ: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ بعدَ ذلك طِفْلًا أي: في حالِ الطُّفولةِ؛ مِن صِغَرِ الجُثَّةِ، وضَعْفِ البَدَنِ والسَّمعِ والبَصَرِ، وجميعِ الحواسِّ؛ لئلَّا تُهلِكوا أُمَّهاتِكم بكِبَرِ أجرامِكم، وعِظَمِ أجسامِكم). ((نظم الدرر)) (13/10). .
ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ.
أي: ثمَّ لِتَبلُغوا بالتَّدريجِ كَمالَ قُوَّتِكم وعُقولِكم [89] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/465)، ((تفسير القاسمي)) (7/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 533)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/269). قال ابنُ عطيَّة: (اختلف الناسُ في «الأَشُدِّ» مِن ثمانيةَ عشَرَ إلى ثلاثين، إلى اثنين وثلاثين، إلى سِتَّة وثلاثين، إلى أربعين، إلى خمسةٍ وأربعين، واللفظةُ تُقال باشتراك، فأَشُدُّ الإنسان على العموم غيرُ أشدِّ اليتيمِ الذي هو الاحتلامُ، والأشدُّ في هذه الآية يَحتمِلُ المَعنيَينِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/108). ويُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/92). وقال السمعاني: (الأكثرونَ على أنَّ الأشُدَّ: ثلاثٌ وثلاثونَ سنةً، وإليها تَنْتهي، يعني: قوَّةَ الشَّبابِ). ((تفسير السمعاني)) (3/20). وقال ابن جزي: (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ هو كمالُ القوَّةِ والعقلِ والتمييزِ، وقد اختُلِف فيه مِن ثماني عشْرةَ سنةً إلى خمسٍ وأربعينَ). ((تفسير ابن جزي)) (2/33). ويُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/689). .
كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [غافر: 67].
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا.
أي: ومِنكم -أيُّها النَّاسُ- مَن يموتُ قَبلَ أن يبلُغَ أشُدَّه، ومنكم مَن يُؤخَّرُ مَوتُه إلى أن يَبلُغَ أخَسَّ العُمُرِ وأدْوَنَه، فيَصيرُ ضَعيفًا في بَدَنِه وعَقْلِه، لا علمَ له ولا فَهمَ، بعد أن كان قَوِيًّا ذا فَهمٍ وعِلمٍ بالأشياءِ [90] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/465)، ((تفسير ابن عطية)) (4/108)، ((تفسير القرطبي)) (12/12)، ((تفسير الشوكاني)) (3/516)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/270). !
كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [النحل: 70] .
وقال سُبحانَه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس: 68] .
ثمَّ ذكَر برهانًا قاطعًا آخرَ على البعثِ [91] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/278). ، فقال:
وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ.
أي: وتَرى [92] قال الشنقيطي: (قولُه: وَتَرَى أي: يا نبيَّ اللهِ. وقيل: وترى أيُّها الإنسانُ المُخاطَبُ، وهي رؤيةٌ بصَريَّةٌ تتعَدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ). ((أضواء البيان)) (4/278). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/202). الأرضَ يابِسةً قاحِلةً ساكِنةً سُكونَ الأمواتِ، لا نباتَ فيها ولا زَرْعَ، فإذا أنزَلْنا عليها الماءَ [93] قيل: المراد به: المطَرُ من السَّماءِ. قاله ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/466). وقيل: أعَمُّ من ذلك، سواءٌ كان مِن المطَرِ، أو الأنهارِ، أو العيونِ، أو السَّواني. وممن اختاره: أبو حيان، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/487)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/278). تحَرَّكَتْ بالنَّباتِ [94] قال الواحدي: (قال المفَسِّرون: تحَرَّكت بالنَّباتِ، والمعنى على هذا: تحَرَّكَت بالنَّباتِ عند وُقوعِ الماءِ؛ وذلك أنَّ الأرضَ ترتَفِعُ عن النَّباتِ إذا ظَهَر، فذلك تحرُّكُها، وهو معنى قَولِه: وَرَبَتْ، أي: ارتَفَعت وزادت). ((البسيط)) (15/273). وقال أبو حيان: (واهتزازُها: تخلخلُها، واضطرابُ بعضِ أجسامِها؛ لأجلِ خروجِ النباتِ). ((تفسير أبي حيان)) (7/487). وقال القرطبي: (فالأرضُ تهتزُّ بالنباتِ؛ لأنَّ النباتَ لا يخرجُ منها حتَّى يزيلَ بعضَها مِن بعضٍ إزالةً خفيَّةً). ((تفسير القرطبي)) (12/13). وقال السَّمعاني: (وقيلَ: في الآيةِ تَقديمٌ وتأخيرٌ، ومعناه: ورَبَت واهتَزَّت، ويقالُ: اهْتَزَّتْ أي: النَّباتُ، وَرَبَتْ أي: ارتَفَع، وإنَّما أنَّث؛ لذِكْرِ الأرضِ). ((تفسير السمعاني)) (3/422). وقال الشِّنقيطي: (اهْتَزَّتْ أي: تحرَّكت بالنباتِ. ولَمَّا كان النباتُ نابتًا فيها، متَّصلًا بها، كان اهتزازُه كأنَّه اهتزازُها؛ فأُطلِق عليها بهذا الاعتبارِ أنَّها اهتزَّت بالنبات. وهذا أسلوبٌ عربيٌّ معروف). ((أضواء البيان)) (4/278). ، وارتفَعَت وانتفَخَت [95] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/465، 466)، ((تفسير ابن عطية)) (4/109)، ((تفسير القرطبي)) (12/13)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/12)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/202، 203). قال ابن عاشور: (ورَبَت: حصَل لها رُبُوٌّ -بضمِّ الراء، وضمِّ الموحَّدةِ- وهو ازديادُ الشيء؛ يُقال: رَبَا يَربُو رُبُوًّا، وفُسِّر هنا بانتفاخ الأرض مِن تفتُّق النبتِ والشجرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (17/203). واستظَهر الشنقيطيُّ أنَّ معنى الزيادةِ الحاصلةِ في الأرضِ، هي أنَّ النباتَ لَمَّا كان نابتًا فيها متَّصلًا بها صارَ كأنَّه زيادةٌ حصَلتْ في نفْسِ الأرضِ. يُنظر: ((أضواء البيان)) (4/278، 279). .
كما قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39] .
وقال سُبحانه: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق: 9-11] .
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
أي: وأخرَجَت الأرضُ بذلك الماءِ مِن كُلِّ صِنفٍ حَسَنٍ يَسُرُّ النَّاظرينَ مِن أصنافِ النَّباتاتِ والزُّروعِ والثِّمارِ [96] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/467)، ((تفسير القرطبي)) (12/14)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/203، 204)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/279). .
كما قال تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل: 60] .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا قَرَّر اللهُ سُبحانَه الدَّليلَينِ السَّابِقَينِ، رَتَّب عليهما ما هو المَطلوبُ والنَّتيجةُ [97] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/205). .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ.
أي: ذلك الذي ذكَرْنا لكم -أيُّها النَّاسُ- مِن أطوارِ خَلْقِكم، وإحياءِ الأرضِ بالماءِ بعدَ مَوتِها؛ لِتَعلَموا بأنَّ الذي قدَرَ على فِعلِ ذلك هو الحَقُّ الذي لا شَكَّ فيه، الذي يَستَحِقُّ العِبادةَ وَحْدَه؛ فعِبادتُه حَقٌّ، وعِبادةُ ما سِواهُ باطِلةٌ [98] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534). وممن قال بالمعنى المذكورِ لكَلِمةِ الحقِّ هنا: ابنُ جرير، والسعدي. يُنظر: المصدران السابقان. ويُنظر أيضًا: ((تفسير السمرقندي)) (2/450)، ((تفسير السمعاني)) (3/422)، ((تفسير البغوي)) (3/325)، ((تفسير الزمخشري)) (3/145). وقال الواحدي: (يعني أنَّ جميعَ ما يأمُرُ به ويفعلُه هو الحَقُّ لا الباطِلُ). ((البسيط)) (15/277). .
وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى.
أي: ولِتَعلَموا بأنَّ الذي قَدَرَ على تلك الأشياءِ العَجيبةِ قادِرٌ على إحياءِ الموتَى [99] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/468)، ((تفسير القاسمي)) (7/234)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534). .
وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أي: وأنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قادِرٌ لا يُعجِزُه شَيءٌ مِنَ البَعثِ وغَيرِه [100] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/468)، ((تفسير السمرقندي)) (2/450)، ((تفسير القرطبي)) (12/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534). .
وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7).
وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا.
أي: ولِتُوقنوا بأنَّ القيامةَ قادِمةٌ، لا شَكَّ ولا اشتِباهَ في وقوعِها [101] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/468)، ((تفسير السمرقندي)) (2/450)، ((تفسير القرطبي)) (12/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534). .
وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
أي: وأنَّ اللهَ يُحيي الموتى مِن قُبورِهم، فيُخرِجُهم إلى مَوقِفِ الحِسابِ؛ لِيُجازِيَهم بأعمالِهم؛ خَيرِها، وشَرِّها [102] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/468)، ((تفسير القرطبي)) (12/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 534). .

الفوائد التربوية :

إذا تأمَّلتَ ما دَعَا اللهُ سُبحانَه في كتابِه عِبادَه إلى الفِكرِ فيه، أوقَعَك على العِلمِ به سُبحانَه وتعالى وبوَحدانيَّتِه، وصِفاتِ كَمالِه ونُعوتِ جَلالِه؛ من عُمومِ قُدرتِه وعِلمِه، وكَمالِ حِكمتِه ورَحمتِه، وإحسانِه وبِرِّه، ولُطْفِه وعَدْلِه، ورِضاهُ وغَضَبِه، وثوابِه وعِقابِه؛ فبهذا تعَرَّف إلى عبادِه، وندَبَهم إلى التفَكُّرِ في آياتِه، ونذكُرُ لذلك أمثِلةً مِمَّا ذكَرَها اللهُ سُبحانَه في كتابِه، يُستَدَلُّ بها على غَيرِها؛ فمن ذلك: خَلقُ الإنسانِ، وقد نَدَبَ سُبحانَه إلى التفَكُّرِ فيه والنَّظَرِ، في غيرِ مَوضِعٍ مِن كِتابِه؛ كقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج: 5] ، وقال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق: 5] ، وقَولِه تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [103] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/187). [الذاريات: 21].

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ، في جَعلِ كُلِّ واحِدةٍ مِن هذه المراتِبِ مَبدأً لخَلقِهم لا لخَلقِ ما بَعدَها مِنَ المراتِبِ -كما في قَولِه تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [المؤمنون: 14] - مزيدُ دَلالةٍ على عَظيمِ قُدرَتِه تعالى، وكَسرٌ لِسَورةِ استِبعادِهم [104] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/94). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ استدلَّ به مَن قال باستواءِ غيرِ المُخَلَّقةِ مع المخَلَّقةِ في إثباتِ الولَدِ، وانقضاءِ العِدَّةِ، ووجوبِ الغُرَّةِ [105] الغُرَّةُ: عَبدٌ أو أَمَةٌ، وهو اسمٌ لكُلِّ واحِدٍ مِنهما، كأنَّه عبَّرَ بالغُرَّةِ عن الجِسمِ كُلِّه، كما قالوا: أعتَقَ رَقَبةً. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/175). ؛ لأنَّه تعالى أخبَرَ أنَّ غيرَ المخلَّقةِ لها حُكمُ المخَلَّقةِ [106] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 181). ، وهذا على أحدِ الأقوالِ في معنى الآيةِ.
3- إذا قيل: ما وجهُ الإفرادِ في قَولِه: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا مع أنَّ المعنى نخرِجُكم أطفالًا؟
فالجوابُ من أوجهٍ:
منها: أنَّ من أساليبِ اللُّغةِ العربيةِ التي نزَل بها القرآنُ أنَّ المفردَ إذا كان اسمَ جِنسٍ، يكثُرُ إطلاقُه مرادًا به الجَمعُ معَ تنكيرِه -كما في هذه الآية- فمِن أمثلتِه في القرآنِ قَولُه تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر: 54] أي: وأنهارٍ، بدليلِ قولِه تعالى: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ [محمد: 15] ؛ وقولُه: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74] أي: أئمَّةً، وقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا [النساء: 4] أي: أنفُسًا، وقولُه تعالى: وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] أي: رُفَقاءَ، وقولُه تعالى: وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم: 4] أي: مظاهِرونَ [107] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/272). .
ومنها: أنَّه أفرده؛ لأنَّه مصدرٌ في الأصلِ مِثلُ عَدلٍ، فيستوي فيه الواحِدُ وغيرُه.
ومنها: أنَّه أفرده باعتبارِ كلِّ واحدٍ منهم، أي: يُخرِجُ كُلَّ واحدٍ منكم طِفلًا [108] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/145)، ((تفسير البيضاوي)) (4/65)، ((تفسير أبي حيان)) (7/486)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/443)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير الألوسي)) (9/113)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/200). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، جُعِلَ بُلوغُ الأشُدِّ عِلَّةً؛ لأنَّه أقْوى أطوارِ الإنسانِ، وأجْلَى مَظاهِرِ مَواهِبِه في الجِسْمِ والعقلِ، وهو الجانِبُ الأهَمُّ، كما أومَأَ إلى ذلك قولُه بعْدَ هذا: لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، فجعَلَ (الأشُدَّ) كأنَّه الغايةُ المقصودةُ مِن تَطويرِه [109] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/200). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا فيه سؤالٌ: كيفَ قال: لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، معَ أنَّه يعلَمُ بعضَ الأشياءِ كالطِّفلِ؟ الجواب: المرادُ أنَّه يزولُ عَقلُه، فيصيرُ كأنَّه لا يَعلمُ شيئًا؛ لأنَّ مِثلَ ذلك قد يُذكَرُ في النفيِ لأجلِ المبالَغةِ [110] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/205). .
6- في قولِه تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا جُعِلَ انتفاءُ عِلْمِ الإنسانِ عندَ أرذَلِ العُمرِ عِلَّةً لِرَدِّه إلى أرذَلِ العُمرِ، باعتبارِ أنَّه عِلَّةٌ غائيَّةٌ لذلك؛ لأنَّه ممَّا اقتضَتْهُ حِكْمةُ اللهِ في نِظامِ الخَلْقِ؛ فكان حُصولُه مَقصودًا عندَ رَدِّ الإنسانِ إلى أرذَلِ العُمرِ، فإنَّ ضَعْفَ القُوى الجِسميَّةِ يَستتبِعُ ضَعْفَ القُوى العَقليَّةِ [111] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/202). .
7- قولُه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ارتقاءٌ في الاستدلالِ على الإحياءِ بعْدَ الموتِ بقياسِ التَّمثيلِ [112] قياسُ التَّمثيلِ: هو: حَملُ جُزئيٍّ على جُزئيٍّ آخَرَ في حُكمِه؛ لاشتِراكِهما في عِلَّةِ الحُكمِ؛ لأنَّ ذلك الحُكمَ يلزمُ المُشتَرَكَ الكُلِّيَّ، مثلُ: النَّبيذُ حرامٌ؛ قياسًا على الخَمرِ، بجامِعِ الإسكارِ في كلٍّ منهما. وقياسُ التَّمثيلِ: هو القياسُ الأُصوليُّ. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (9/120)، ((آداب البحث والمناظرة)) للشنقيطي (2/291، 292). ؛ لأنَّه استدلالٌ بحالةٍ مُشاهَدةٍ؛ فلذلك افتُتِحَ بفِعْلِ الرُّؤيةِ، بخلافِ الاستدلالِ بخَلْقِ الإنسانِ؛ فإنَّ مَبدأَهُ غيرُ مُشاهَدٍ، فقيل في شأْنِه: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الآيةَ. ومَحلُّ الاستدلالِ مِن قولِه تعالى: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ؛ فهو مُناسِبٌ قولَه في الاستدلالِ الأوَّلِ: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ؛ فهُمودُ الأرضِ بمَنزِلةِ مَوتِ الإنسانِ، واهتزازُها وإنباتُها بعْدَ ذلك يُماثِلُ الإحياءَ بعْدَ الموتِ [113] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/486)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/203). .
8- في قولِه تعالى مِن أوَّلِ سُورةِ الحجِّ إلى قولِه: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ خَمْسُ نَتائِجَ، تُسْتَنْتَجُ مِن عَشْرِ مُقدِّماتٍ:
أولًا: قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، ثبَتَ عندنا بالخبرِ المتواتِرِ أنَّه سُبحانَه أخبَرَ بزلزلةِ السَّاعةِ مُعظِّمًا لها، وذلك مقطوعٌ بصِحَّتِه؛ لأنَّه خبَرٌ أخبَرَ به مَن ثبَتَ صِدقُه عمَّن ثبَتَتْ قُدرتُه، فهو حَقٌّ، ولا يُخبِرُ بالحقِّ عمَّا سيكونُ إلَّا الحقُّ؛ فاللهُ هو الحقُّ.
ثانيًا: أخبَرَ سُبحانَه أنَّه يُحْيي الموتى؛ لأنَّه تعالى أخبَرَ عن أهْوالِ السَّاعةِ بما أخبَرَ، وحُصولُ فائدةِ هذا الخبرِ مَوقوفةٌ على إحياءِ الموتى لِيُشاهِدوا تلك الأهوالَ، وقد ثبَتَ أنَّه قادرٌ على كلِّ شَيءٍ، ومن هذه الأشياءِ إحياءُ الموتى.
ثالثًا: أخبَرَ أنَّه على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ؛ لأنَّه أخبَرَ أنَّه مَن يَتَّبِعِ الشَّياطينَ ومَن يُجادِلْ فيه بغيرِ علْمٍ يُذِقْهُ عذابَ السَّعيرِ، ولا يَقدِرُ على ذلك إلَّا مَن هو على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
رابعًا: أخبَرَ أنَّ السَّاعةَ آتيةٌ لا رَيبَ فيها؛ لأنَّه أخبَرَ بالخبرِ الصَّادقِ أنَّه خلَقَ الإنسانَ مِن تُرابٍ إلى قولِه: لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، ومَن خلَقَ الإنسانَ على ما أخبَرَ به، فأوجَدَهُ بالخلْقِ ثمَّ أعدَمَهُ بالموتِ، ثمَّ يُعِيده بالبعثِ، وكذلك فِعْلُه في الأرضِ المواتِ، وصدَقَ خَبرُه في ذلك كلِّه بدَلالةِ الواقعِ الشَّاهدِ على المُتوقَّعِ الغائبِ حتَّى انقلَبَ الخبَرُ عِيانًا؛ صدَقَ خبَرُهُ في الإتيانِ بالسَّاعةِ.
خامسًا: لا تأتي السَّاعةُ إلَّا ببَعثِ مَن في القُبورِ، وهو سُبحانَه يَبعَثُ مَن في القُبورِ [114] يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (4/61)، ((معترك الأقران في إعجاز القرآن)) للسيوطي (1/346)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/397، 398). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
- قولُه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ التَّعريفُ في النَّاسُ للعَهْدِ، والمعهودُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [115] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/439). .
- قولُه: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ التَّعبيرُ عن اعتقادِهم في حَقِّه بالرَّيبِ مع التَّنكيرِ المُنْبئِ عن القلَّةِ، معَ أنَّهم جازِمونَ باستحالتِه، وإيرادُ كلمةِ الشَّكِّ مع تَقرُّرِ حالِهم في ذلك، وإيثارُ ما عليهِ النَّظمُ الكريمُ عَلى أنْ يُقالَ: (إنِ ارتبْتُم في البعثِ)؛ إمَّا للإيذانِ بأنَّ أقْصى ما يُمكِنُ صُدورُه عنهم -وإنْ كانوا في غايةِ ما يكونُ من المُكابَرةِ والعِنادِ- هو الارتيابُ في شأْنِه، وأمَّا الجزمُ المذكورُ فخارِجٌ مِن دائرةِ الاحتمالِ، كما أنَّ تَنكيرَه وتَصديرَه بكلمةِ الشَّكِّ؛ للإشعارِ بأنَّ حَقَّه أنْ يكونَ ضَعيفًا مَشكوكَ الوُقوعِ، وإمَّا للتَّنبيهِ على أنَّ جَزْمَهم ذلك بمَنزِلةِ الرَّيبِ الضَّعيفِ؛ لكَمالِ وُضوحِ دَلائلِ الإعجازِ ونِهايةِ قُوَّتِها، وإنَّما لم يقُلْ: (وإنِ ارتبْتُم في البعثِ...)؛ للمُبالغةِ في تَنزيهِ الإيمانِ بالبَعثِ عن شائبةِ وُقوعِ الرَّيبِ فيه، والإشعارِ بأنَّ ذلك إنْ وقَعَ فمِن جِهَتِهم لا مِن جِهَتِه العاليةِ، واعتبارُ استقرارِهم فيه وإحاطتُه بهم لا يُنافي اعتبارَ ضَعْفِه وقِلَّتِه؛ لِمَا أنَّ ما يَقْتضيه ذلك هو دوامُ مُلابسَتِهم به، لا قُوَّتُه وكَثرتُه [116] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/439)، ((تفسير أبي السعود)) (6/93، 94)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/196). .
- قولُه: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ... عُطِفَتِ النُّطفةُ بـ (ثُمَّ)؛ لأنَّ الَّذي خُلِقَ من تُرابٍ هو أصْلُ النَّوعِ، وهو آدمُ عليه السَّلامُ، وسُلِّطَ الفِعلُ عليهم من حيث هُم مِن ذُرِّيتِه، وخُلِقتْ زوجُه حواءُ مِنه، ثمَّ كُوِّنَت في آدَمَ وزَوْجِه قُوَّةُ التَّناسُلِ؛ فصار الخلْقُ منَ النُّطفةِ؛ فـ (ثُمَّ) الَّتي عُطِفَ بها ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ عاطفةٌ مُفرداتٍ؛ فهي للتَّراخي الحقيقيِّ. و(مِن) المُكرَّرةِ أربَعَ مرَّاتٍ هنا ابتدائيَّةٌ، وتَكريرُها تَوكيدٌ [117] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/197). ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي حيان)) (7/484). .
- وعبَّرَ بقولِه: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ مع المُضْغةِ؛ لمَّا كان الإنسانُ فيه أعضاءٌ مُتباينةٌ، وكلُّ واحدٍ منها مُختصٌّ بخَلْقٍ، حسُنَ تَضعيفُ الفِعْلِ؛ لأنَّ فيه خلْقًا كثيرةً [118] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/485). .
- وفي قولِه: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ كان مُقْتضى التَّرتيبِ السَّابقِ المَبْنيِّ على التَّدرُّجِ مِن المبادئِ البعيدةِ إلى القريبةِ: أنْ يُقدَّمَ غيرُ المُخلَّقةِ على المُخلَّقةِ، وإنَّما أُخِّرَت عنها؛ لأنَّ المُخلَّقةَ أدخَلُ في الاستدلالِ، وذكَرَ بعْدَه غيرَ المُخلَّقةِ؛ لأنَّه إكمالٌ للدَّليلِ، وتَنبيهٌ على أنَّ تَخليقَها نشَأَ عن عدَمٍ؛ فكِلَا الحالينِ دليلٌ على القُدرةِ على الإنشاءِ، وهو المَقصودُ مِن الكَلامِ؛ ولذلك عقَّبَ بقولِه: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، أي: لنُظْهِرَ لكم -إذا تأملتُم- دليلًا واضحًا على إمكانِ الإحياءِ بعْدَ الموتِ [119] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/198، 199). .
- قولُه: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وُرودُ الفِعْلِ غيرَ مُعَدًّى إلى المُبَيَّنِ: إعلامٌ بأنَّ أفعالَه هذه يَتبيَّنُ بها مِن قُدرتِهِ وعِلْمِه ما لا يَكْتنِهُه الذِّكْرُ، ولا يُحِيطُ به الوصْفُ [120] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/144)، ((تفسير البيضاوي)) (4/65)، ((تفسير أبي حيان)) (7/485)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/199). . وقيل: لِنُبيِّنَ أمْرَ البعثِ، فهو اعتراضٌ بينَ الكلامينِ [121] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/108)، ((تفسير أبي حيان)) (7/485). . ولمَّا اشتمَلتْ تلك الأطوارُ السَّابقةُ على احتقارِ المُنكَّرِ مِن كَونِه نُطفةً وعَلَقةً ومُضغةً؛ أُبْرِزَ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ؛ تَنبيهًا على اختصامِه مع احتقارِه [122] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/10). . وقيل: حُذِفَ مفعولُ لِنُبَيِّنَ؛ إشارةً إلى أنَّه يَدخُلُ فيه كلُّ ما يُمكِنُ أنْ يُحيطَ به العقولُ [123] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/441). .
- وتَقديمُ التَّبْيينِ على ما بعدَهُ مع أنَّ حُصولَه بالفِعْلِ بعْدَ الكلِّ؛ للإيذانِ بأنَّه غايةُ الغاياتِ، ومَقصودٌ بالذَّاتِ [124] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/440)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94). . وأيضًا لمَّا كانت دَلالةُ الأوَّلِ عَلى كَمالِ قُدرتِه تعالى على جَميعِ المقدُوراتِ -الَّتي مِنْ جُملتِها البَعْثُ المَبْحوثُ عنه- أجْلى وأظهَرَ؛ قدَّم قولَه تعالى: لِنُبَيِّنَ على الإقرارِ والإخراجِ [125] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/94). .
- قولُه: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ استئنافٌ مَسوقٌ لبَيانِ حالِهم بعْدَ تَمامِ خلْقِهم [126] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/94). . أو وَنُقِرُّ عطْفٌ على جُملةِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ، وعُدِلَ عن فِعْلِ المُضِيِّ إلى الفِعْلِ المُضارِعِ؛ للدَّلالةِ على استِحضارِ تلك الحالةِ؛ لِمَا فيها مِن مُشابَهةِ استقرارِ الأجسادِ في الأجداثِ، ثمَّ إخراجِها منها بالبَعْثِ، كما يَخرُجُ الطِّفلُ مِن قَرارةِ الرَّحمِ مع تَفاوُتِ القرارِ؛ فمِنَ الأجِنَّةِ ما يَبْقى سِتَّةَ أشهُرٍ، ومنها ما يَزيدُ على ذلك، وهو الَّذي أفادَهُ إجمالُ قولِه تعالى: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. والاستدلالُ في هذا كلِّه بأنَّه إيجادٌ بعْدَ العدَمِ، وإعدامٌ بعْدَ الوُجودِ؛ لتَبْيينِ إمكانِ البعثِ بالنَّظيرِ وبالضِّدِّ [127] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/199). .
- وعُطِفَت جُملةُ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بحَرْفِ (ثمَّ)؛ للدَّلالةِ على التَّراخي الرُّتبيِّ؛ فإنَّ إخراجَ الجنينِ هو المقصودُ [128] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/200). . ويجوزُ أنْ تكونَ (ثم) في الموضعَينِ -ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ- للتراخي الزَّمَني، على اعتبار أنَّ بلوغَ الأشُدِّ متراخٍ زمنًا عن إخراجِهم طفلًا، وهو -أي: إخراجُهم طفلًا- متراخٍ عن إقرارِهم في الأرحامِ، لكنَّ الأنسبَ للمقامِ أنْ تكونَ للتراخي الرُّتبيِّ [129] يُنظر: ((حاشية محي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي)) (6 /89). .
- قولُه: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ الأشُدُّ: كَمالُ القُوَّةِ والعَقْلِ والتَّمييزِ، وهو مِن ألْفاظِ الجُموعِ الَّتي لم يُسْتعمَلْ لها واحدٌ -على قولٍ مِن الأقوالِ-، وكأنَّها شِدَّةٌ في غيرِ شَيءٍ واحدٍ؛ فبُنِيَت لذلك على لفْظِ الجَمْعِ [130] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/145)، ((تفسير أبي حيان)) (7/486)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94). .
- وإيثارُ البُلوغِ مُسنَدًا إلى المُخاطَبينَ لِتَبْلُغُوا على التَّبليغِ مُسنَدًا إليه تعالى (لِنُبلِّغَكم)، كالأفعالِ السَّابقةِ (خَلَقْنَاكُمْ- لِنُبَيِّنَ- نُقِرُّ- نُخْرِجُكُمْ)؛ لأنَّ لِتَبْلُغُوا هو المُناسِبُ لبَيانِ حالِ اتِّصافِهم بالكَمالِ، واستقلالِهم بمَبْدئيَّةِ الآثارِ والأفعالِ [131] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/94). .
- وإعادةُ اللَّامِ هاهنا في لِتَبْلُغُوا مع تَجْريدِ الأوَّلَينِ عنها (نُقِرُّ، نُخرِجُكم)؛ للإشعارِ بأصالتِه في الغَرضيَّةِ بالنِّسبةِ إليهما؛ إذْ عليه يَدورُ التَّكليفُ المُؤدِّي إلى السَّعادةِ والشَّقاوةِ [132] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/440)، ((تفسير أبي السعود)) (6/94). .
- وقوله: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ فيه مُناسَبةٌ حَسنةٌ؛ حيثُ وقَعَ في سُورةِ (غافرٍ): ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا [غافر: 67] ، فعُطِفَ طورُ الشَّيخوخةِ على طَورِ الأشُدِّ، باعتبارِ أنَّ الشَّيخوخةَ مَقصِدٌ للأحياءِ؛ لحُبِّهم التَّعميرَ، وتلك الآيةُ ورَدَتْ مَورِدَ الامتنانِ؛ فذكَرَ فيها الطَّورَ الَّذي يَتملَّى المَرْءُ فيه بالحياةِ، ولم يُذْكَرْ هنا في آيةِ سُورةِ (الحجِّ)؛ لأنَّها وردَتْ مَورِدَ الاستدلالِ على الإحياءِ بعْدَ العدَمِ؛ فلم يُذْكَرْ فيها من الأطوارِ إلَّا ما فيه ازديادُ القُوَّةِ ونَماءُ الحياةِ دونَ الشَّيخوخةِ القريبةِ مِن الاضمحلالِ، ولأنَّ المُخاطبينَ بها فَريقٌ مُعيَّنٌ مِن المُشركينَ كانوا في طَورِ الأشُدِّ، وقد نُبِّهوا عَقِبَ ذلك إلى أنَّ منهم نفَرًا يُرَدُّونَ إلى أرذَلِ العُمرِ -وهو طَورُ الشَّيخوخةِ- بقولِه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [133] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/201). .
- وجِيءَ بقولِه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى على وَجْهِ الاعتراضِ؛ استقراءً لأحوالِ الأطوارِ الدَّالَّةِ على عَظيمِ القُدرةِ والحِكْمةِ الإلهيَّةِ، مع التَّنبيهِ على تَخلُّلِ الوُجودِ والعدمِ أطوارَ الإنسانِ بَدْءًا ونِهايةً، كما يَقْتضيه مَقامُ الاستدلالِ على البَعْثِ [134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/201). .
- قولُه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ هو عديلُ قولِه تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى، وسكَتَ عن ذِكْرِ الموتِ بعْدَ أرذَلِ العُمرِ؛ لأنَّه مَعلومٌ بطريقةِ لَحْنِ الخِطابِ [135] ينقسِمُ المفهومُ من الكلامِ إلى مَفهومِ موافقةٍ، ومفهومِ مُخالفةٍ؛ فمفهومُ الموافقةِ هو ما يُوافِقُ حُكْمُه المنطوقَ؛ فإنْ كان أَوْلى سُمِّيَ فحْوى الخِطابِ، كدَلالةِ: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] على تحريمِ الضَّربِ؛ لأنَّه أشَدُّ، وإنْ كان مُساوِيًا سُمِّيَ لحنَ الخِطابِ، أي: معناه، كدَلالةِ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء: 10] على تحريمِ الإحراقِ؛ لأنَّه مُساوٍ للأكلِ في الإتلافِ. وعُرِّف لحنُ الخطابِ أيضًا بأنَّه دلالةٌ للاقتِضاءِ، وهو دلالةُ اللفظِ التزامًا على ما لا يستقلُّ الحكمُ إلَّا به، وإن كان اللفظُ لا يقتضيه وضعًا. يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 53)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/106). ؛ فأصْلُ الكلامِ: (ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أرذَلِ العُمرِ ثُمَّ يُتوفَّى)، فحُذِفَت جُملةُ (ثُمَّ يُتوفَّى)؛ لدَلالةِ الجُملةِ المذكورةِ عليها [136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/201). .
- قولُه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ فيه إيرادُ (التَّوفِّي) و(الرَّدِّ) على صِيغَةِ المَبْنيِّ للمفعولِ؛ للجَرْيِ على سَننِ الكِبْرياءِ؛ لتَعيُّنِ الفاعلِ [137] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). .
- قولُه: لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا عُبِّرَ بـ شَيْئًا؛ مُبالَغةً في انتقاصِ عِلْمِه، وانتكاسِ حالِه [138] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). ؛ فقد جاءت نَكِرةً لإفادةِ العُمومِ [139] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/202). .
- و(مِن) في قولِه: مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا للتَّأكيدِ [140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/202). .
- وعُطِفَ قولُه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً على قولِه: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ؛ لكونِ الدَّلائلِ الآفاقيَّةِ مُرتبِطةً بالأنْفُسيَّةِ، كما قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت: 53] ، ومُشتبِكةً بعْضُها مع بعْضٍ، خُصوصًا دَلالةَ إحياءِ الأرضِ بعْدَ مَوتِها، وكانت أنْموذجًا للبعْثِ والنَّشرِ [141] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/443). .
- قولُه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فيه الإتيانُ بالفِعْلِ على صِيغَةِ المُضارِعِ وَتَرَى؛ للدَّلالةِ على التَّجدُّدِ والاستمرارِ [142] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). .
- قولُه: وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ سِيقَ هذا الوصْفُ إدماجًا للامتنانِ في أثناءِ الاستدلالِ؛ امتنانًا بجَمالِ صُورةِ الأرضِ المُنْبِتةِ؛ لأنَّ كونَه بَهيجًا لا دخْلَ له في الاستدلالِ، فهو امتنانٌ مَحْضٌ [143] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/204). .
- وأيضًا مِن فُنونِ البلاغةِ الَّتي اشتَمَلَ عليها قولُه تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ: العدولُ عن لَفْظيِ الحَركةِ والسُّكونِ إلى أردافِهما من لَفظيِ (الهُمودِ) و(الاهتِزازِ)؛ لِمَا في لَفظيِ الإردافِ من المُلاءَمةِ للمعنى المُرادِ؛ لأنَّ الهُمودَ يُرادُ به الموتُ، والأرضُ في حالِ عَطَلِها مِن السَّقْيِ والنَّباتِ مواتٌ؛ فكان العُدولُ إلى لفْظِ (الهُمودِ) المُعبَّرِ به عن الموتِ أَولى من لفْظِ (السُّكونِ)، والاهتزازُ مُشعِرٌ بالعطاءِ كاهتزازِ المَمدوحِ للمدْحِ؛ فلأجْلِ ذلك عُدِلَ عن لفْظِ الحركةِ العامِّ إلى لَفظِ الحركةِ الخاصِّ وهو الاهتزازُ؛ لِمَا يُشعِرُ أنَّ الأرضَ ستُعْطي عندَ سَقْيِها ما يُرْضِي مِن نَباتِها بتَنزُّلِ السَّقْيِ لها مَنزِلةَ ما يَسُرُّها؛ فاهتزَّتْ لتَشعُرَ بالعطاءِ؛ فظهَرَتْ فائدةُ العُدولِ إلى لفْظِ الإردافِ. ومنها: حُسْنُ التَّرتيبِ؛ حيث تقدَّمَ لفْظُ (الاهتزازِ) على لَفْظِ (الرُّبُوِّ)، ولَفظُ (الرُّبُوِّ) على (الإنباتِ)؛ لأنَّ الماءَ إذا نزَلَ على الأرضِ فرَّقَ أجزاءَها ودخَلَ في خِلالِها، وتَفريقُ أجزاءِ الجَماداتِ هو حركَتُها حالةَ تفرُّقِ الاتِّصالِ؛ لأنَّ انقسامَ الشَّيءِ يدُلُّ على انتقالِ قِسْمَيه أو أحَدِهما عن حَيِّزِه، ولا معنى للحركةِ إلَّا هذا؛ فالاهتزازُ يجِبُ أنْ يُذْكَرَ عَقِيبَ السَّقْيِ، كما جاء (الرُّبُوُّ) بعْدَ (الاهتزازِ)؛ فإنَّ التُّرابَ إذا دخَلَهُ الماءُ ارتَفَعَ بالنِّسبةِ إلى حالِه قبْلَ ذلك، وهذا هو الرُّبُوُّ بعَينِه؛ فحصَلَ حُسنُ الترتيبِ مع حُسنِ النَّسقِ [144] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/395-397). .
2- قولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَلامٌ مُستأنَفٌ جِيءَ به إثْرَ تَحقيقِ حَقِّيَّةِ البعثِ، وإقامةِ البُرهانِ عليه مِن العالَمينِ الإنسانيِّ والنَّباتيِّ؛ لبَيانِ أنَّ ذلك مِن آثارِ أُلوهيَّتِه تعالى وأحكامِ شُؤونِه الذَّاتيَّةِ والوصفيَّةِ والفِعْليَّةِ [145] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). . وهو فَذلكةٌ [146] الفَذْلكةُ: كلمةٌ منحوتةٌ كالبَسملةِ والحوقلةِ؛ من قولهم: (فذَلِك كذا)، ومعناها: ذِكرُ مُجمَلِ ما فُصِّل أولًا وخلاصتِه. وقد يُرادُ بالفذلكةِ النتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتفريعُ عليه، ومنها فذلكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). لِمَا تقدَّمَ؛ فالجُملةُ تَذييلٌ [147] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/443)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/204). .
- وذَلِكَ إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ مِن خلْقِ الإنسانِ على أطوارٍ مُختلفةٍ، وإحياءِ الأرضِ بعْدَ مَوتِها، وما فيه مِن معنى البُعدِ؛ للإيذانِ ببُعْدِ مَنزِلَتِه في الكَمالِ [148] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). .
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ فيه قَصرٌ إضافيٌّ [149] القَصرُ أو الحَصرُ: في اصطِلاح البلاغيِّين هو تَخصيصُ شيءٍ بشيءٍ وحصرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأولُ: مَقصورًا، والثاني: مقصورًا عليه، مثل: إنَّما زيدٌ قائمٌ، و: ما ضربتُ إلَّا زيدًا. وينقسمُ إلى قصرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقَصْرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِع، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثل: لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ حيثُ قُصِر وصفُ الإِلَهيَّةِ الحقِّ على موصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصفةِ على الموصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه، أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وتردُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصرًا في دائرةٍ خاصةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حولَ احتمالينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ، مثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] . يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118)، و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن ابن حسن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ، أي: دونَ غَيرِه مِن مَعبوداتِكم؛ فإنَّها لا وُجودَ لها [150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/204). .
- وفي قولِه: وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى تَخصيصُ إحياءِ الموتى بالذِّكْرِ مع كَونِه من جُملةِ الأشياءِ المقدورِ عليها؛ للتَّصريحِ بما فيه النِّزاعُ، والدَّفعِ في نُحورِ المُنكِرينَ. وتَقديمُه؛ لإبرازِ الاعتناءِ به [151] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95). .
3- قولُه تعالى: وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ تَوكيدٌ لقولِه: وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى [152] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/487). .
- قولُه: وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا فيه إيثارُ صِيغةِ الفاعلِ آَتِيَةٌ على الفِعلِ؛ للدَّلالةِ على تَحقيقِ إتيانِها وتَقرُّرِه الْبتَّةَ؛ لاقتضاءِ الحِكْمةِ إيَّاهُ لا مَحالةَ [153] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/95، 96). .
- وصِيغةُ نَفْيِ الجِنْسِ على سَبيلِ التَّنصيصِ في قوله تعالى: لَا رَيْبَ فِيهَا صِيغةُ تأكيدٍ [154] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/206). .