موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: تَقوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ


يَجِبُ على العَبدِ أن يَتَّقيَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ بأن يَجعَلَ بَينَه وبَينَ ما يَخشاه مِن رَبِّه -مِن غَضَبِه وسَخَطِه وعِقابِه- وِقايةً تَقيه مِن ذلك، وهيَ امتِثالُ أوامِرِه تعالى، واجتِنابُ نَواهيه [145] يُنظر: ((الرعاية لحقوق الله)) للحارث بن أسد المحاسبي (ص: 43)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/ 658)، ((الرسالة التبوكية)) لابن القيم (ص: 13)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 398)، ((دليل الفالحين)) لابن علان (1/ 250). .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131] .
2- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102] .
3- قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ [التغابن: 16] . وهذه الآيةُ مُبَيِّنةٌ للمرادِ مِنَ الآيةِ التي قَبلَها يُنظر: ((رياض الصالحين)) للنووي (ص: 56). قال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ قَولَه: مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] مُفَسِّرٌ لقَولِه: حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] ، ورافعٌ لظَنِّ مَن يظُنُّ أنَّ اللهَ أمَر النَّاسَ بحَقِّ تُقاتِه الذي لا يَستطيعونَه، وهذا هو الذي أراده مَن قال مِنَ المتقَدِّمين: إنَّ هذه ناسِخةٌ لتلك، أرادوا أنَّها ناسِخةٌ للظَّنِّ الفاسِدِ مِن معناها، ولم يريدوا أنَّ اللهَ أمَر النَّاسَ بما لا يستطيعونه مِن تقواه، ثمَّ نُسِخ ذلك). ((بيان تلبيس الجهمية)) (8/ 457). .
4- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 35] .
5- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] .
6- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71] .
7- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد: 28] .
8- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18] .
9- قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197] .
10- قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1-عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيثُما كُنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ)) [147] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21354). صَحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (179) وقال: على شرط الشيخين، وابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/349)، وحَسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (131)، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2655)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21354) .
2- عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ في حَجَّةِ الوَداعِ فقال: ((اتَّقوا اللَّهَ رَبَّكم، وصَلُّوا خمسَكم، وصوموا شَهرَكُم، وأدُّوا زَكاةَ أموالِكُم، وأطيعوا ذا أمرِكُم؛ تَدخُلوا جَنَّةَ رَبِّكُم)) [148] أخرجه الترمذي (616) واللفظ له، وأحمد (22161). صحَّحه ابن حبان (4563)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (19)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (616)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن الدارقطني)) (2759)، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/68)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (481)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
3- عن العِرباضِ بنِ سارِيةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (صَلَّى بنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ ثُمَّ أقبَلَ عَلينا فوعَظَنا موعِظةً بليغةً ذَرَفَت منها العُيونُ ووَجِلَت منها القُلوبُ، فقال قائِلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، كأنَّ هذه مَوعِظةُ مُودِّعٍ، فماذا تَعهَدُ إلينا؟ فقال: أُوصيكُم بتَقوَى اللهِ، والسَّمعِ والطَّاعةِ...)) الحَديثَ [149] أخرجه أبو داود (4607) واللفظ له، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42). صحَّحه البزار كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1164)، وابن حبان في ((صحيحه)) (5)، والحاكم في ((المستدرك)) (329)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/1164)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
4-عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سُئِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكثَرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فقال: تَقوى اللهِ، وحُسنُ الخُلُقِ، وسُئِل عن أكثَرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فقال: الفَمُ والفَرجُ)) [150] أخرجه الترمذي (2004) واللَّفظُ له، وابن ماجه (4246)، وأحمد (9696). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (476)، وحَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4246)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9696) .
5- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سُئِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ النَّاسِ أكرَمُ؟ قال: أكرَمُهم عِندَ اللهِ أتقاهم...)) [151] أخرجه البخاري (4689) واللَّفظُ له، ومسلم (2378). .
6- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يَقولُ: ((اللهُمَّ إنِّي أسألُك الهُدى والتُّقى، والعَفافَ والغِنى)) [152] أخرجه مسلم (2721). .
مِن فضائِلِ التَّقوى:
قال الفَيروزاباديُّ: (أمَّا البِشاراتُ الَّتي بَشَّرَ اللَّهُ تعالى بها المُتَّقينَ في القُرآنِ:
فالأوَّلُ: البُشرى بالكَراماتِ: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس: 63-64] .
الثانى: البُشرى بالعَونِ والنُّصرةِ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128] .
الثَّالثُ: بالعِلمِ والحِكمةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29] .
الرَّابعُ والخامِسُ: بكَفَّارةِ الذُّنوبِ وتَعظيمِ الأجرِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5] .
السَّادِسُ: بالمَغفِرةِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال: 69] .
السَّابعُ: اليُسرُ والسُّهولةُ فى الأمرِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4] .
الثَّامِنُ: الخُروجُ مِنَ الغَمِّ والمِحنةِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2] .
التَّاسِعُ: رِزقٌ واسِعٌ، بأمنٍ وفَراغٍ: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 3] .
العاشِرُ: النَّجاةُ مِنَ العَذابِ والعُقوبةِ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم: 72] .
الحادي عَشَرَ: الفوزُ بالمُرادِ: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر: 61] ، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا [النبأ: 31] .
الثَّاني عَشَرَ: التَّوفيقُ والعِصمةُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 177] إلى قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177] .
الثَّالثُ عَشَرَ: الشَّهادةُ لهم بالصِّدقِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177] .
الرَّابعُ عَشَر: بشارةُ الكَرامةِ والأكرَميَّةِ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] .
الخامِسَ عَشَرَ: بشارةُ المُحِبِّ: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76] .
السَّادِسَ عَشَرَ: الفَلاحُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة: 189] .
السَّابعَ عَشَرَ: نَيلُ الوِصالِ والقُربةِ: وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37] .
الثَّامِنَ عَشَرَ: نَيلُ الجَزاءِ بالمِحنةِ: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90] .
التَّاسِعَ عَشَرَ: قَبولُ الصَّدَقةِ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] .
العِشرونَ: الصَّفاءُ والصَّفوةُ: فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ [الحج: 32] .
الحادي والعِشرونَ: كَمالُ العُبوديَّةِ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] .
الثَّاني والعِشرونَ: الجَنَّاتُ والعُيونُ: إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر: 45] .
الثَّالِثُ والعِشرونَ: الأمنُ مِنَ البَليَّةِ: إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان: 51] .
الرَّابعُ والعِشرونَ: عِزُّ الفَوقيَّةِ على الخَلقِ: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة: 212] .
الخامِسُ والعِشرونَ: زَوالُ الخَوفِ والحُزنِ مِنَ العُقوبةِ: فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأعراف: 35] .
السَّادِسُ والعِشرونَ: الأزواجُ المُوافِقةُ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: 31 - 33] .
السَّابعُ والعِشرونَ: قُربُ الحَضرةِ، واللِّقاءُ والرُّؤيةُ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 54-55]) [153] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) (2/ 301-303). ويُنظر أيضًا: ((بصائر ذوي التمييز)) (5/ 259)، ((التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها)) لعمر بن سليمان الأشقر (ص: 87). .
وقال الحارِثُ المُحاسِبيُّ عنِ التَّقوى: (أوجَبَ اللَّهُ في تَضييعِها غَضَبَه وعِقابَه، وجَعَل القيامَ بها مِفتاحًا لكُلِّ خَيرٍ في الدُّنيا والآخِرةِ، ولأهلِها أعَدَّ الجَنَّةَ، ولأهلِها جَعَل الأمنَ في الآخِرةِ، وإيَّاهم وعَدَ قَبولَ الأعمالِ، وإيَّاهم سَمَّى بالوِلايةِ، ورَفعَ عنهمُ الخَوفَ والحُزنَ في يَومِ المَخافةِ والأحزانِ -إلَّا تاراتِ أهوالٍ تَعُمُّ الخَلائِقَ-، ولهم جَعَل النَّصرَ في الدُّنيا والمَعونةَ على طاعَتِه، ولهم جَعَل المَخرَجَ مِن كُلِّ ما ضاقَ على العِبادِ، ولهم ضَمِن الرِّزقَ مِن غَيرِ الوُجوهِ التي يَحتَسِبونَها.
قال تَبارَكَ وتعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُها السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ [آل عمران: 133] ، فهَل تَرى فيها مَوضِعًا لغَير مُتَّقٍ؟!) [154] ((الرعاية)) (ص: 38). .
فوائِدُ:
أقسامُ التَّقوى
قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (التَّقوى قِسمانِ؛ أحَدُهما: مُتَعَلِّقٌ بالقُلوبِ، وهو ضَربانِ؛ أحَدُهما: واجِبٌ كَإخلاصِ الأعمالِ والإيمانِ، والثَّاني: مُحَرَّمٌ، كالرِّياءِ وتَعظيمِ الأوثانِ.
والثَّاني: يَتَعَلَّقُ بالأعضاءِ الظَّاهِرةِ، كنَظَرِ الأعيُنِ، وبَطشِ الأيدي، ومَشيِ الأرجُلِ، ونُطقِ اللِّسانِ.
وإذا صَحَّتِ التَّقوى أثمَرَتِ الورَعَ، والورَعُ تَركُ ما لا بَأسَ به خَوفًا مِنَ الوُقوعِ فيما به بأسٌ) [155] ((مقاصد الرعاية)) (ص: 14). .
حقيقةُ التَّقوَى
1- قال ابنُ القَيِّمِ: (أمَّا التَّقوى فحَقيقَتُها العَمَلُ بطاعةِ اللهِ إيمانًا واحتِسابًا، أمرًا ونَهيًا، فيَفعَلُ ما أمَرَ اللَّهُ به إيمانًا بالأمرِ وتَصديقًا بوعدِه، ويَترُكُ ما نَهى اللهُ عنه إيمانًا بالنَّهيِ وخَوفًا مِن وعيدِه، كَما قال طَلقُ بنُ حَبيبٍ: "إذا وقَعَتِ الفِتنةُ فأطفِئوها بالتَّقوى، قالوا: وما التَّقوى؟ قال: أن تَعمَلَ بطاعةِ اللهِ على نورٍ مِنَ اللهِ، تَرجو ثَوابَ اللهِ، وأن تَترُكَ مَعصيةَ اللهِ على نورٍ مِنَ اللهِ، تَخافُ عِقابَ اللَّهِ". وهذا أحسَنُ ما قيلَ في حَدِّ التَّقوى) [156] ((الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه)) (ص: 13). .
2- قال ابنُ رَجَبٍ الحَنبَليُّ: (ويَدخُلُ في التَّقوى الكامِلةِ فِعلُ الواجِباتِ، وتَركُ المُحَرَّماتِ والشُّبُهاتِ، ورُبَّما دَخَل فيها بَعدَ ذلك فِعلُ المَندوباتِ، وتَركُ المَكروهاتِ، وهيَ أعلى دَرَجاتِ التَّقوى) [157] ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 399). .
3- قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (مِن تَقوى اللهِ تَقديمُ ما قدَّمَ اللَّهُ سُبحانَه وتعالى مِنَ الواجِباتِ على المَندوباتِ، وتَقديمُ ما قدَّمَه مِنِ اجتِنابِ المُحرَّماتِ على تَركِ المَكروهاتِ، وهذا بخِلافِ ما يَفعَلُه الجاهلونَ الذينَ يَظُنُّونَ أنَّهم إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى مُتَقَرِّبونَ، وهم مِنه مُتَباعِدونَ، فيُضيعُ أحَدُهمُ الواجِباتِ حِفظًا للمَندوباتِ، ويَرتَكِبُ المُحَرَّماتِ تَصوُّنًا عن تَركِ المَكروهاتِ! ولا يَقَعُ في مِثلِ هذا إلَّا ذَوو الضَّلالاتِ وأهلُ الجَهالاتِ، فكَم مِنَّا مُقيمٌ لصُوَرِ الطَّاعةِ مَعَ انطِواءِ قَلبِه على الرِّياءِ والحَسَدِ والغِلِّ والكِبرِ والإعجابِ بالعَمَلِ، والإدلالِ على اللهِ تعالى بالطَّاعاتِ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104] !
وكَم مِن ناظِرٍ إلى ما لا يَحِلُّ النَّظَرُ إليه، ومُغتابٍ لمَن لا تَجوزُ غِيبَتُه، ومُزدَرٍ لمَن لا يَحِلُّ ازدِراؤُه؛ ظَنًّا أنَّ ذلك مِنَ الجائزاتِ، وغَفلةً عن كَونِه مِنَ المُحَرَّماتِ!) [158] ((مقاصد الرعاية)) (ص: 13، 14). .

انظر أيضا: